عام على اغتيال خاشقجي.. شهيد الكلمة حي في ضمير العالم

كان رحيله قبل عام أشبه بزلزال هز العالم، فصار رمزا للمناضلين والباحثين عن الحرية، وبقيت روحه ومأساته كابوسا يؤرق قاتليه.
كان صادقا حينما اتخذ على “تويتر” عبارته الخالدة “قل كلمتك وامش” شعارا، فكأنه كان يعلم أن الرحيل سيكون ثمنا حتميا لمواقف وفائه لدولته السعودية، التي انتقد سياساتها، داعيا إلى إصلاحات.
غير أن نهايته، التي قُطع فيها جسده “غدرا” على أيدي مسؤولين من بلده أخفوه لليوم عن العالم، أصبحت مثار اهتمام واستنكار دولي واسع لم ينضب حتى اليوم.
هو جمال أحمد خاشقجي، الصحافي السعودي، المولود عام 1958 في المدينة المنورة.
درس الصحافة بالجامعة الأمريكية، والتحق بصحف سعودية في الثمانينات، منها “عكاظ” و”الشرق الأوسط” و”الحياة” اللندنية، ونجح في إجراء مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.
تزوج من آلاء نصيف، وبرز من أبنائه عبد الله وصلاح، وكان يعتزم الزواج من التركية خديجة جنكيز.
اختار المنفى الاختياري ليستكمل نهجا إصلاحيا وطنيا، لكنه قُتل داخل قنصلية بلده بمدينة إسطنبول، في مثل هذا اليوم 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018، بعد أن دخلها على قدميه لاستخراج وثيقة لإتمام زواجه، فخرج خفية مقطعا الأوصال، على أيدي من لم يتحملوا تطلعاته الإصلاحية.

في مقدمة الصفوف
“حلقة مهمة في سلسلة النضال الخليجي والعربي”، هكذا يرى المفكر المصري البارز، فهمي هويدي، قضية رحيل خاشقجي.
وأضاف هويدي: “منذ ظهور جمال وهو جزء من ظاهرة اليقظة في منطقة كانت مغلقة لا يتحدث فيها أحد، ثم جاءت وفاته لتدفع تلك الظاهرة إلى الأمام”.
سيظل خاشقجي، بحسب هويدي وهو أحد أكثر المفكرين ألما على مأساته، “جزءا مهما من التحولات التي يمكن أن تحدث في المجتمع الخليجي والعربي عامة”.
وراثيا الراحل في ذكراه الأولى، تابع هويدي: “اغتيال خاشقجي وضعه في مقدمة الصفوف، ففي حياته كان واقفا مع الواقفين، وحين قتل صار في مقدمتهم”.
فمن قتلوه، بحسب هويدي “أضافوا الكثير إلى رصيده، بحيث احتل هذا الموقع المتميز، وأصبح يمثل حلقة مهمة في حلقات النضال، على الأقل في المجتمع الخليجي والعربي عامة، وعلى صعيد الأداء والنزاهة الإعلامية”.

هز العالم
ذهب الكاتب والمفكر المصري، جمال سلطان، إلى أن وفاة خاشقجي أشبه بالزلزال الذي اهتز العالم كله بسببه.
وقال سلطان، في مقال عقب الاعتراف السعودي بمقتل خاشقجي: “لو أن أقصى خيال هيمن على تفكير شهيد الكلمة الراحل جمال خاشقجي، لما كان له أن يتصور أن يكون رحيله أشبه بالزلزال الذي يهتز العالم كله بسببه، ولا يجول بخاطره أن يكون اسمه وصورته هي المهيمنة على الصفحات الأولى لمعظم الصحف وشاشات الفضائيات حول العالم”.

أيقظ الضمير
بعد الإعلان عن اغتياله، قال عنه المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، إن التفاعل العالمي مع اختفائه في 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018 “أيقظ ضمير العالم”، في إشارة لتصدره عناوين الصحف ونشرات الأخبار العالمية، مع مطالبات غربية بالكشف عن مصيره.
ووصف البرادعي، آنذاك عبر “تويتر”، الأمر بـ”مأساة” اعتبرها “تعطي بصيصا من الأمل (مفاده) أن الإنسان هو هدف الإنسانية الأسمى مهما كانت خلافاتنا”.
ودعا إلى “العمل لخلق رأي عام دولي يطبق نفس المعايير الإنسانية فى كل القضايا دون تمييز أو استثناء”.

السعودية تغيرت إلى الأبد
وفاة خاشقجي “غيرت المملكة إلى الأبد”، بحسب الكاتب البريطاني المخضرم، ديفيد هيرست، في مقال نُشر بصحيفة “ميدل إيست آي”، قبل ستة أشهر.
وقال هيرست إن “الصحافي السعودي حقق بموته أكثر بكثير مما حققه في حياته، وذلك من خلال إطلاق نقاش بين عامة الناس حول الطريقة التي تُحكم من خلالها المملكة”.
واعتبر أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تحول بعد اغتيال خاشقجي “من مصلح إلى مستبد”.
وما من شك، وفق هيرست، أن خاشقجي تمكن من تغيير صورة النخبة الحاكمة، وبنهاية المطاف وضع الأساس لإصلاحات حقيقية ولحوار شعبي حقيقي حول طريقة إدارة شؤون المملكة.
وهذا إنجاز رأى الكاتب البريطاني أنه “يفوق كل ما قدمه خاشقجي في حياته التي امتدت لتسعة وخمسين عاما”.

الأمير “منبوذا”
بمناسبة ذكرى مرور عام على اغتيال خاشقجي، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، السبت الماضي، إن ولي عهد السعودية أصبح منبوذا بفعل الجريمة، مشيرة إلى مساعٍ للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإعادة “بن سلمان” إلى المسرح الدولي.
وأضافت الصحيفة، التي كانت تنشر مقالات لخاشقجي، أن ترحيب قادة العالم بـ”بن سلمان”، خلال قمة العشرين بمدينة أوساكا في يونيو/ حزيران الماضي، يؤشر إلى ترحيب على مضض بعودته إلى المجتمع الدولي، وهذا ما كان ليحدث لولا مساعدة ترامب ووزير خارجيته، مايك بومبيو.
ونقلت عن معارض سعودي (لم تسمه)، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، قوله إن الحكومة السعودية صمدت أمام الغضب الناجم عن مقتل خاشقجي؛ بسبب وقوف ترامب بجانب محمد بن سلمان.
ونشرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في يوليو/ تموز الماضي، تقريرا أعدته أغنيس كالامار، المقررة الأممية الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء، وحمّلت فيه السعودية مسؤولية قتل خاشقجي عمدا.
وأكدت كالامار، في التقرير المؤلف من 101 صفحة، وجود أدلة موثوقة تستوجب التحقيق مع مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، بينهم ولي العهد السعودي.
وقال “بن سلمان”، في لقاء مع برنامج “فرونت لاين” على شبكة “PBS” الأمريكية، إنه يتحمل المسؤولية عن مقتل خاشقجي على أيدي مجموعة من الضباط والعاملين بأجهزة سعودية؛ لأن ذلك حدث وهو في موقع السلطة، بحسب موقع الشبكة، الخميس الماضي.
وعلى هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، الخميس الماضي، إن محمد بن سلمان تعهد له بأن “دم خاشقجي لن يذهب هدرا”.
واستدرك أردوغان: “مع الأسف لقد مر عام على مقتله، ولم نر أية خطوة اتخذت حيال قتلة خاشقجي”.
ولفت إلى أن التسجيلات الصوتية تؤكد قدوم 15 شخصا على متن طائرتين إلى تركيا، لتنفيذ عملية قتل خاشقجي، حيث قتلوه في مبنى القنصلية، وقطعوا جثمانه وأخذوه.
ودعا أردوغان السلطات والقضاء في السعودية إلى الكشف عن الشخص الذي أمر بقتل خاشقجي.
وأعلنت السلطات السعودية إحالة المسؤولين عن اغتيال خاشقجي إلى القضاء، وهم 18 سعوديا.
وعلق وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، على تصريح “بن سلمان” الأخير، قائلا: “ما نريده الآن هو أن يَمثُل كل المسؤولين عن هذه الجريمة أمام القضاء”.
وتابع: “قدمنا كل الدلائل والمعلومات والوثائق التي توصلنا إليها للنيابة العامة السعودية، لكن التعاون كان من طرفنا فقط، ولم نجد له صدى من الطرف الآخر، والشفافية لم تكن موجود للأسف”.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،