طلاب غزّة… ضحيةٌ يتجدد استهدافها في كلّ عدوانٍ إسرائيلي

(الأناضول)

على غير العادة اليومية، انتظم الطابور الصباحي بمدرسة عبد الله بن رواحة، بدير البلح وسط قطاع غزة، متوشحاً بالألم.

فغياب ثلاثة من الطلبة الذين قضوا شهداء خلال التصعيد الأخير، قلب الموازين، وبدل أن يرفع العلم الفلسطيني على نغمات السلام الوطني، ظلّ منكساً حزناً على فقدانهم.

بسرعة انتهت الإذاعة المدرسية التالية للطابور، والتي لم تخل فقراتها من رثاء الشهداء، فانطلق الطلبة مسرعين نحو فصولهم التي ما إن وصلوها حتّى بدأوا بالبكاء حزناً على مشهد مقاعد أقرانهم الفارغة.

ساعاتٌ مضت، تجمّع خلالها الطلبة والمدرسون وحشدٌ من العاملين في وزارة التربية والتعليم ومواطنين، في الباحة الخارجية للمدرسة، ورفعوا صور شهداء المدرسة: معاذ محمد السواركة (7 أعوام)، ومهند رسمي السواركة (12 عاماً)، ووسيم محمد السواركة (13 عاماً)، وطالبوا العالم بمحاكمة إسرائيل على جريمتها بحقهم.

غيابٌ موجع
يقول المدرس حازم اللوح إنّ “التصعيد الأخير على قطاع غزّة، كغيره من الأحداث، ترك آثاراً كبيرة على الطلبة، وساهم في تحطيم نفسياتهم، الأمر الذي سيؤثر بالتأكّيد على مدى استيعابهم للدروس وتحصيلهم العلمي”.

ويلفت إلى أنّ الطلبة كانوا بحالةٍ سيئة، والكثير منهم أجهش بالبكاء بمجرد أن دخل للفصل، ووجد الأماكن التي اعتاد الشهداء الثلاثة على الجلوس فيها خالية.

ويردف بالتأكّيد أنّ فعالية التأبين في المدرسة، ما هي إلّا رسالة للمجتمع الدولي “الذي يراقب بصمت جرائم الاحتلال بحق المدينة والأبرياء. بأن تحمّلوا مسؤولياتكم تجاه ما يجري في غزّة”.

على أحد مقاعد الفصل، كان الطفل براء أبو عمر يضرب كفا بكف حزناً على صديقه وسيم (13 عاماً)، يقول: “كثير من الأيام الجميلة انتهت، وبقيت الذكرى فقط، فوسيم لم يكن بالنسبة لي زميلاً فحسب، كان صديقاً وشريكاً بكلّ شيء”.

وشاءت تفاصيل القدر أنّ ينهي الطفلان ببراءةٍ خلافاً بسيطاً قد نشب بينهما قبل التصعيد بيوم.

يوضح أنّ هذا الأمر لو لم يتم لظلّ غصةً تلاحقه طوال حياته، لافتاً إلى أنّ قتل الأطفال وتخويفهم جريمة يجب أن يستنكرها العالم الأجمع.

تأثيرات نفسية وسلوكية
عودة للمدرس اللوح الذي يؤكّد أنّ سلوكيات الطلبة تتأثر بالأحداث الجارية وتزيد نسبة العنف فيها، منوهاً إلى أنّ غياب الطلبة عن المدرسة لمدة ثلاثة أيام متتالية، يؤثر كثيراً على الجدول المدرسي.

“يحاول المعلمون تجاوز ذلك الأمر من خلال حصص تعويضية، لكنّ ذلك لا يكفي، خاصّة وأنّنا على مقربة من نهاية الفصل الدراسي الأول”، يتابع كلامه.

ويوضح أنّ هذا الاعتداء ليس الأول الذي تسجله مدرسة عبد الله بن رواحة بحق طلبتها، فقد سبقه الكثير، ويسوق على ذلك مثالاُ وهو استشهاد الطالب بلال مشعل خلال عدوان عام 2014، والذي أصيب فيه كذلك العشرات من الطلبة.

ويختم: “تزامن ذكرى إحياء اليوم العالمي للطلبة مع هذه الجرائم الإسرائيلية بحق قطاع التعليم في فلسطين له دلالة، تشير إلى أنّ الاحتلالات على مدار التاريخ تحاول الضرب في عمق الشعوب وأساليب وأدوات التنشئة فيها”.

أضرار قطاع التعليم
وذكرت وزارة التربية والتعليم، في بيانٍ الخميس، أنّ التصعيد الإسرائيلي الأخير أدى لاستشهاد ستة طلاب، يدرسون في مؤسساتٍ تعليمية مختلفة.

وقالت إن الشهداء هم: “محمد عطية حمودة من مدرسة عثمان بن عفان، وإسماعيل عبد العال من مدرسة يافا، وأمير عياد في الصف الثاني مدرسة الزيتون المشتركة، ومعاذ محمد السواركة، ومهند رسمي السواركة، ووسيم محمد السواركة، من مدرسة عبد الله بن رواحة”.

ولفت البيان إلى أنّ المئات من الأطفال والطلبة أصيبوا “بحالات هلع وخوف نتيجة القصف الصهيوني الهمجي الذي يستهدف بيوت الآمنين”، منوهاً أنّ 15 مدرسة تضررت من التصعيد.

وشملت الأضرار انهيار جدران مدارس وتصدعات فصول وتحطيم أبواب ونوافذ، وغيرها.

وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي صوراً من مدرسة يافا، يظهر فيها حزن الطلبة على فراق زميلهم إسماعيل عبد العال الذي قضى برفقة إخوانه إبراهيم وأحمد، إثر غارة إسرائيلية استهدفتهم شرق مدينة غزّة، صباح الأربعاء الماضي.

طلبة الجامعات متضررون
ولم تقتصر تأثيرات التصعيد الإسرائيلي على المدارس وطلبتها فقط، بل وصلت للجامعات الفلسطينية في قطاع غزّة، حيث أنّ معظمها أعلن من خلال بيانات تعطيل الدراسة خلال الفترة التي استمرت ضمنها جولة العدوان الأخيرة.

يتحدث منير الجوجو (22 عاماً)، طالبٌ بالجامعة الإسلامية، أنّ الأيام الثلاثة التي تعطّلت فيها الدراسة حرمته من تقديم اختبارين نصفيين في مواده العلمية، التي سيصعب عليه إعادة دراستها بشكلٍ تفصيلي؛ كون أوقات عقدها التعويضية ستزدحم مع انشغالات كثيرة له.

وتوافقه القول الطالبة أريج موسى (20 عاماً) التي تدرس تخصص إدارة الأعمال بجامعة الأقصى، وتزيد أنّ ضغط الحرب وأصوات القصف والانفجارات تسبب لها أزمة نفسية، مضيفةً: “ما زلت أذكر الأيام الطويلة التي قضيتها على سرير المرض، بعد انتهاء فترة عدوان عام 2014”.

وتربط حديثها بذكرى اليوم الدولي للطلاب، الذي ترى بأنّه يجب أن يكون مناسبةً لدق جدار الخزان، ولتصدير الإبداعات الطلابية الفلسطينية للعالم، حتّى يفهم الجميع أنّنا شعبٌ نستحق الحياة والفرح.

اليوم الدولي للطلاب
ويحتفل الاتحاد العالمي للطلاب في الـ 17 من نوفمبر من كلّ سنة باليوم العالمي للطالب، والذي بدأت قصته عام 1939، حين خرج آلاف الطلبة، بمسيرةٍ في إحدى المدن الألمانية، طالبوا خلالها بتحسين ظروفهم التعليمية وأمور المجتمع ككل، وحينذاك تصدت القوات المحلية للتظاهرة، مما أدى لمقتل الطالب “جان أوبلاتيل”.

وتصاعدت الأوضاع آنذاك، الأمر الذي دفع الحكومة النازية لإغلاق كافّة المعاهد ومؤسسات التعليم العالي، وأعدم الجيش وقتها 9 معتقلين من الطلبة، وقام بترحيل أكثر من 1200 آخرين إلى معسكرات الاعتقال، وصفّاهم بشكلٍ جماعي في يوم الـ 17 من نوفمبر.

وبعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية، خصص الاتحاد ذلك اليوم ليصبح بمثابة مناسبة يتم خلالها التأكيد على مبادئ السلام والعدالة والحرية والتضامن والتحرر من الاستعمار والاحتلال.

ويجدر التنويه إلى أنّ الحياة في المؤسسات الحكومية في قطاع غزّة عادت لطبيعتها صبيحة السبت، وفقاً لما أعلن عنه المكتب الإعلامي، بعد عدوان إسرائيلي أسفر عن استشهاد 34 فلسطينيا، وأكثر من مئة جريح، بحسب وزارة الصحة.

وقالت حركة الجهاد الإسلامي إنّها توصلت لاتفاق وقف إطلاق نار الخميس برعايةٍ مصرية، عقب العدوان.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،