طالبان.. الخلفيّة الشرعيّة، والفرق مع القاعدة وداعش، وإمكان التطوّر

بقلم : محمد خير موسى

كثرت التكهنات حول حركة طالبان عقب انتصارها على الاحتلال الأمريكيّ وحكومته العميلة، فمنهم من ألحقها بداعش ومنهم من جعلها في صفّ القاعدة، ومنهم من ذهب غير ذلك طرائق قددًا، ولعلّي في هذه المساحة الصّغيرة ألقي الضّوء على أهمّ الأسئلة التي يمكن أن تخطرُ في بال الباحثين والرّاغبين بالتّعرف إلى خلفيّة طالبان الفكريّة وما يلحق بها

سلفيّةٌ جهاديّة أم صوفيّةٌ مقاتلة؟

“طالبان” وتعني بلغة البشتون جمع طلّاب أسسّها الملا محمّد عمر عام 1994م في قندهار على حدود أفغانستان من مجموعة من طلّاب العلوم الشرعيّة.

فكانت حركة الطلّاب هذه أوّل جماعةٍ ذات تماسكٍ فكريّ ونسيجٍ موحّد في التخصص تنبثق من قلب المجتمع الأفغاني بل كان معظمها ابتداءً من قوميّة البشتون الأفغانيّة قبل أن تكبر وتتمدّد أفقيًّا في مختلف أنحاء أفغانستان.

حركة طالبان تنتمي إلى “الديوبنديّة” و”ديوبند” هو اسم بلدةٍ في شبه القارّة الهنديّة تقع فيها جامعة دار العلوم الإسلاميّة، وهي أكبر جامعةٍ في شبه القارّة الهنديّة، وصار اسمها جامعة ديوبند نسبةً إلى مكانها، وقد كان خريجو هذه الجامعة مطبوعين بطابع علميّ خاصّ يشتركون فيه جميعًا وتترسّخ جذوره الفكريّة في أنفسهم، ومع الزّمن صار يُطلق على هؤلاء الخريجين لقب “الديوبنديّة”.

ومن أهمّ أعلام الديوبنديّة الحديثة المفكّر الإسلامي أبو الحسن النّدوي والشّيخ حبيب الرّحمن الأعظمي.

وعموم حركة طالبان هم من أبناء الحركة الديوبنديّة الحديثة، وأمّا عن الانتماء العقدي والفقهي والطُّرُقي لحركة طالبان فهو ذاته الانتماء الديوبنديّ وهو على النّحو الآتي:

  أولًا: الانتماء العقدي

تنتمي طالبان إلى العقيدة الماتريديّة في غالب أفرادها، وهي منسوبةٌ إلى الإمام أبو منصور الماتريديّ وهو من أعلام أهل السّنة والجماعة، والماتريديّة وهي فرقة من أشهر فرق السّنة الاعتقاديّة وأقربها إلى الأشاعرة، والماتريديّة هو المذهب الاعتقادي لأتباع المذهب الحنفي في عموم أنحاء العالم الإسلاميّ، وهو الأكثر انتشارًا في أفغانستان والهند والصين، وبنغلادش، وباكستان، وتركيا، وإيران، والجمهوريّات الرّوسيّة المسلمة، وكان هو المذهب الاعتقاديّ الرّسميّ للدّولة العثمانيّة

وتنتمي شريحةٌ يسيرةٌ من طالبان إلى المذهب الأشعريّ المنسوب إلى أبي الحسن الأشعري، بينما لا تكادُ تجدُ في صفوف طالبان سواء على مستوى الأفراد أو القيادات من ينتمي إلى التيّار السّلفي سواءٌ في ذلك السلفيّة النجديّة الوهابيّة المنسوبة إلى الشّيخ محمد بن عبد الوهاب أو غيرها من السلفيّات بما فيها السلفيّة الجهاديّة التي تفرّعت منها داعش والقاعدة.

فحركة طالبان ليست حركة سلفيّة جهاديّة ولا سلفيّة علميّة ولا سلفيّة حركيّة، فمن يحاول نسبة طالبان إلى داعش أو القاعدة فقد وقع في خللٍ منهجيّ وعلميّ، بل إنّ القاعدة وداعش ينظرون إلى طالبان بناءً على عقيدتهم على أنّهم مبتدعةٌ منحرفون في الاعتقاد لكنّهم كانوا يتعاملون معهم من باب الحاجة إلى التّحالف والواقعيّة السياسيّة التي تكفر بها داعش والقاعدة حيثُ لا تكون لهما حاجةٌ إليها.

   ثانيًا: الانتماء الفقهي

حركة طالبان تعتنق المذهب الحنفي في الفقه وهو مرجعيّتها التي تصدر عنها أحكامها في المسائل الكبرى والمسائل الفرعية التفصيليّة، وهو المذهب الرّسميّ في عموم أفغانستان والدّول المحيطة بها، ومن المُلاحظ أنّ عموم المنتمين للمذهب الحنفي من غير العرب يعتنقون المذهب الفقهيّ مع تعصّب شديدٍ له وتشدّد مبالغ في تطبيق أحكامه، وهذا ما تتصف به طالبان أيضًا في التّعامل مع فروع المذهب الحنفيّ، وهو منسجمٌ مع تعامل عامّة المنتمين للمذهب من غير العرب.

غير أنّ الأمر ظهر عند طالبان بشكلٍ لافتٍ كونها عملت على تنزيل الأحكام على أرض الواقع قبل أكثر من عشرين سنة حين حكمت بطريقة تفتقرُ إلى الكثير من الحكمة السياسيّة والمرونة الفقهيّة والسّعة المقاصديّة، وهذا بعث المخاوفَ في نفوس الكثيرين من تكرار تجربة طالبانيّة جديدةٍ قاسيةٍ عقب الانتصار الجديد، غير أنّ هذا الخوف ينبغي أن لا يؤدّي إلى إصدار أحكام مسبقة ما دامت الحركة لم تمارس الحكم بعد.
على أنّه من الضّروريّ لفت الانتباه إلى أنّ كثيرًا من القرارات التي صدرت عن طالبان عند حكمها السابق لا سيما فيما يتعلّق بأحكام المرأة لا تنطلق فقط من رؤية فقهيّة فحسب بل إنّ الواقع الاجتماعيّ والبيئة القبليّة وثقافتها في التّعامل القاسي مع المرأة كان لها دورٌ كبيرٌ في تلكم الأحكام، فثقافة القبيلة والمجتمع تفرض نفسها في البيئة المنعزلة المنغلقة.

وفهمُ طبيعة تشبّث طالبان بفروع المذهب الحنفيّ هو الذي دفع إلى إصدار قرارٍ قطعيّ من الملّا عمر بعدم تسليم قيادات تنظيم القاعدة ولو كان الثّمن زوال ملكه وذهاب دولته وإمارته الإسلاميّة، وبسبب هذا الموقف التبس على الكثيرين موقف طالبان من القاعدة فظنوهما شيئًا واحدًا واعتمدوا على هذا التّحالف لإطلاق الأوصاف القاعديّة والدّاعشيّة على طالبان، وفي الحقيقة هذا الموقف لا يعبّر على الإطلاق على الانتماء المنهجي للقاعدة بل يدلّ على طبيعة التشبّث بالحكم الفقهيّ الذي تعتمده طالبان مرجعيّةً قانونيّة ودستوريّة.

   ثالثًا: الانتماء الطّرُقي

تنتمي حركة طالبان إلى المدرسة الصّوفيّة الطرقيّة كما هو شأن الحركة الديوبندية عمومًا، وعموم أفرادها وقياداتها ينتمون إلى ثلاثة من الطرق الصّوفيّة وهي:

الطّريقة النّقشبنديّة: وتنسب هذه الطريقة إلي الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري والملقب بشاه نقشبند (ت: 1389م)

الطريقة الجشتية: وتنسب هذة الطريقة إلى الشيخ معين الدين الجشتي الأجمير (ت: 1236م)

الطّريقة القادريّة السهرورديّة: هي طريقة تنسب إلي الشيخ أبو النجيب عبد القادر السهروردي (ت: 1168م).

وعموم العلماء من أتباع التيّار السلفيّ على اختلاف توجهاته سواء السلفيّة العلميّة أو الحركيّة أو الجهاديّة يرمون أتباع هذه الطّرق الصّوفيّة بالضّلال والابتداع، وإنّما أسوق هذا للتّأكيد على فكّ الارتباط الذّهنيّ بين طالبان والسلفيّة الجهاديّة وما تفرّع عنها من القاعدة وداعش وأخواتهما.

فحركة طالبان إذن حركةٌ إسلاميّةٌ سُنّيةٌ تنتمي إلى المدرسة التّقليديّة فقهًا وفكرًا وهي ماتريديةٌ حنفيّةٌ صوفيّة.

 فروقٌ في التّركيبةِ بين طالبان والقاعدة وداعش

تختلفُ طالبان عن القاعدة وداعش من حيث الانتماء الاعتقاديّ والمرجعيّة الفكريّة والفقهيّة كما رأينا آنفًا، غير أنّ هناك فروقًا جوهريّة إضافيّةً يمكن تلخيصها في الآتي:

أولًا: طالبان أفرادها على مستوى القيادات والجند هم جزءٌ من المجتمع الأفغاني وينتمون إلى قبائله وغالبهم من البشتون، فهم أبناء المجتمع وأبناء الأرض ولم يهاجروا إليها لإقامة حكم الله في الأرض، وكذلك ليس في صفوفهم مهاجرون من غير الأفغان، بخلاف القاعدة وداعش التي تقوم تركيبتهم على العناصر المهاجرة وتقوم فكرتهم على الهجرة إلى المواطن الجهاديّة.

ثانيًا: طالبان عزّزت انتماءها للمجتمع الأفغاني وهي منسجمةٌ انسجامًا تامًا مع المرجعيّة القبليّة الأفغانيّة، وللقبيلة تأثير بالغ في قرارات وتوجّهات طالبان بخلاف القاعدة وداعش اللّتان دخلتا في صراع مع هذه المرجعيّات القبليّة في كثيرٍ من مواطن وجودهما.

ثالثًا: طالبان ليس لها بنية وهيكليّة تنظيميّة تراتبيّة كحال بقيّة جماعات الإسلام السياسي والجهادي ومنها القاعدة وداعش، وهي أقرب إلى الجماعة التي تستندُ إلى المرجعيّة المشيخيّة، ومجالسُ شوراها تمارسُ الشورى المُعلمة لا المُلزمة، وإنّما هي لاستئناس الملّا صاحب القرار.

رابعًا: طالبان تقدّم نفسها حركةً إسلاميّةً وطنيّةً تحررية، حدود عملها أفغانستان وليس لها خطاب أممي وليس في خطابها إقامة الشّريعة في العالم وتحريره من الكفر بخلاف خطاب القاعدة وداعش.

 ثمرة معرفة البنية الفكريّة والمرجعيّة الشرعيّة

إنّ معرفة البنية الفكريّة والمرجعيّة الشرعيّة الاعتقادية والفقهيّة لطالبان والفروق بينها وبين تنظيمات داعش والقاعدة يفيد بنسبةٍ كبيرة لفهم وتفسير الكثير من الأفعال والتصرفات التي تصدر عن طالبان من جهة، إضافة إلى أنّه يؤكّد أنّ طالبان لديها بذور القدرة على التطوّر بشكلٍ أكبر بكثير من القاعدة وداعش على المستوى الفكري والعمل السياسي المنبثق من هذه المرجعيّة الفكريّة.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.