ضرب السعودية وتزايد جرأة إيران..الرياض”نمر من ورق” وأي رسالة لإسرائيل؟

بقلم: يوآل جوجنسكي والداد شبيط وسيما شاين

هجوم 14 أيلول على منشآت النفط السعودية، التي تعتبر إحداها، “ابقيق”، من أكبر المنشآت من نوعها في العالم، هو الضربة الأخطر لمنشآت النفط في الخليج منذ حرب الخليج الأولى، من ناحية حجم الضرر والأهمية الاقتصادية لها. الحديث يدور عن تقليص مؤقت يقدر بـ 5.7 مليون برميل يومياً، أي حوالي 50 في المئة من قدرة الإنتاج في السعودية (مجمل الإنتاج بلغ في شهر آب 9.85 مليون برميل نفط يومياً. التي تعادل حوالي 5 في المئة من الإنتاج العالمي). حتى الآن يحافظ السعوديون على تعتيم بخصوص التفاصيل الكاملة للحدث ويحاولون القول إن الأمور على حالها، من خلال تأكيدهم بأنه ليس هناك أضرار في الأرواح وأن بوسعهم العودة إلى وتيرة الإنتاج العادية بسرعة. وفي هذه المرحلة يمتنعون عن توجيه إصبع الاتهام لإيران، خلافاً لردودهم بعد الهجوم الذي نسبوه إلى إيران في أيار وتموز على ناقلات النفط في الخليج ومنشآت النفط في المملكة. حتى إذا نجح السعوديون في العودة إلى إنتاج جزئي، وحتى كامل، بسرعة، فقد تم تجسيد الأضرار بسلسلة استخراج النفط في دول الخليج.

وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، سارع في إلقاء التهمة على إيران، في حين أن الرئيس دونالد ترامب كان أكثر حذراً في أقواله، وغرد بأن الولايات المتحدة تعرف من يقف خلف الهجوم، لكنه امتنع عن ذكر اسم إيران، وأنها “مستعدة وجاهزة للرد”. وهذا مشروط بالتحقق من المعطيات. وحسب أقواله: “الإدارة تنتظر رد السعوديين بخصوص من يقف خلف الهجوم، وكيف يريدون الاستمرار”. تقارير في وسائل الإعلام الأمريكية، تستند إلى مصادر أمريكية رسمية قالت إن الهجوم نفذ مباشرة من أراضي إيران، وتضمن إطلاق 12 صاروخ كروز وأكثر من 20 طائرة بدون طيار، نجحت في ضرب الأهداف بدقة. تحليل الصور الجوية التي نشرتها الإدارة الأمريكية يظهر بأن كمية من صواريخ كروز أطلقت: تقريباً 19 إصابة في حوالي 17 مبنى في “أبقيق” و”مبنيين” في كرايس.

وإذا بقيت هناك أسئلة بخصوص الخصائص التكتيكية للهجوم، وبالأساس نوع الوسائل القتالية ومن أين أطلقت، فيبدو أن تجسيده يشكل صعود درجة مهماً في المعركة التي تدور بين إيران وحلفائها في المنطقة وبين دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية. التهديد الإيراني بضرب تزويد النفط العالمي كرد على العقوبات المفروضة عليها وفي هذا التوقيت الحساس الذي يحاول فيه الرئيس الفرنسي الحصول على موافقة أمريكية على تعويض جزئي لإيران، يحظى بأهمية ويدلل على تصميم إيران على تجسيد قوتها على إحداث الضرر حتى بثمن المخاطرة بتدهور الأمور. ولكن قد يقدر النظام الإيراني أن السعوديين والإدارة الأمريكية لن يسارعوا في جر المنطقة إلى حرب عسكرية واسعة.

تداعيات محتملة للأحداث

من غير الواضح في هذه المرحلة حجم الضرر بعيد المدى الذي وقع في منشآت النفط السعودية. والتقدير الحالي هو أن جزءاً من قدرة الاإنتاج ستعود في الأيام القريبة، ولكن القدرة الكاملة على الإنتاج ستكون بعد بضعة أسابيع على الأقل. ومن أجل مواجهة ارتفاع الأسعار، أعلن السعوديون بأنهم سيحررون النفط من مخازنهم، وأعلن الرئيس ترامب بأن الولايات المتحدة تعمل على تقليل الأضرار بسوق النفط العالمية وستفحص من أجل ذلك ضخ نفط من مخزونها الاستراتيجي عند الحاجة. ولكن إذا طال تعطيل أبقيق فستجد السوق على المدى الأبعد صعوبة في تحمل ذلك وسيحدث ارتفاع أكبر للأسعار.

الإيرانيون يحاولون بواسطة حلفائهم الحوثيين، الذين تحملوا المسؤولية عن الهجوم، عرض ذلك كجزء من الحرب المتواصلة في اليمن التي ضرب الحوثيون مرات كثيرة أراضي السعودية، وكذلك ضربوا صناعة النفط في المملكة. ولكن الأحداث الأخيرة تبتعد كثيراً عن حدود الحرب في اليمن، وبشكل خاص إذا تبين بدون أدنى شك أن الهجوم نفذ من الأراضي الإيرانية. في هذه الظروف يجب أن نأخذ في الحسبان أنه حتى إذا كان الإيرانيون غير معنيين بالوصول إلى تدهور واسع مع الولايات المتحدة، فإنهم مستعدون للمخاطرة إلى أبعد مما فعلوا حتى الآن. وإن الأوروبيين أثبتوا بعد ضرب ناقلات النفط درجة خوفهم من تصعيد عسكري. الاستعداد الإيراني هذه المرة أكبر، ويعكس في المقام الأول الثمن الذي تستعد لدفعه من أجل محاولة إنقاذ نفسها من العقوبات الأمريكية، وبالأساس من الضرب الثقيل الواقع على قدراتها لتصدير النفط، ولو بكميات محدودة. ولكن يوجد في خطواتها أيضاً ما من شأنه أن يشكل إعطاء إشارات غير مباشرة لإسرائيل التي تتفاخر بهجماتها في سوريا والعراق، بخصوص قدرات إيران العسكرية في الرد، ليس بالتحديد من أراضيها، بل بواسطة وسائل قتالية متطورة.

ردود الجانب السعودي والأمريكي ستستمد من اندماج عدد من المصالح المتناقضة في جزء منها: للدولتين مصلحة في معاقبة إيران وردعها، ولكن من جهة أخرى هما غير معنيتين بجر المنطقة إلى حرب واسعة، خاصة بعد أن جسدت بصورة واضحة الإصابات السعودية:

السعوديون غارقون منذ عدة سنوات في معركة معقدة في اليمن، تحولت مؤخراً إلى معركة أصعب على ضوء تصعيد هجمات الحوثيين الناجحة على أهداف في السعودية، والانسحاب العسكري لاتحاد الإمارات من اليمن. هذا إلى جانب الضرر الذي أصاب صورة العربية السعودية سواء كـ “نمر من ورق” أو كعامل من عوامل الكارثة الإنسانية في اليمن. أما من ناحية سياسية ودبلوماسية، فالرد السعودي حتى الآن كان محسوباً وضئيلاً بنسبة معكوسة لمستوى الضرر. حسب وكالات الأنباء في السعودية، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكد في محادثات هاتفية مع الرئيس الأمريكي وولي العهد في اتحادات الإمارات محمد بن زايد، بأن المملكة مستعدة وجاهزة للرد على الهجوم الإرهابي ومواجهة تداعياته، ولكن بدون اتهام إيران مثلما في السابق. فعلياً، هناك كوابح مختلفة على المملكة، بالأساس مثل تلك المرتبطة بالتدني العسكري لها عن إيران ونية الإضرار بمنشآتها الاستراتيجية. أما من ناحية اقتصادية يفمكن أن يكون لضرب المنشآت الأكثر أهمية لأرامكو تداعيات سلبية على قدرات المملكة على أن تصدر للجمهور جزءاً من أسهم الشركة لتمويل إصلاحات ضرورية، ومن ناحية سياسية سيتم مرة أخرى اختبار زعامة محمد بن سلمان، الذي تسجل الحرب في اليمن باسمه، كما أنه لم يراكم إنجازات في مجال السياسة الخارجية.

في السعودية كانوا يقدرون بأن تظهر الإدارة الأمريكية تصميماً، وتعمل عسكرياً ضد إيران. مع ذلك، فإن تردد السعودية حتى الآن بتوجيه إصبع الاتهام لإيران، يمكن أن يدلل على زيادة في مخاوف وتدهور أعلى، وأن هناك شكوك بخصوص نوايا الرئيس ترامب فيما يتعلق بدرجة استعداده لتنفيذ عملية عسكرية ضد إيران، وتحديداً التعهد بالدفاع عن العربية السعودية. وحتى لو كان هناك استعداد فعلي من ناحية عسكرية وعملياتية فإن إمكانيات السعودية محدودة، وتحديداً اإذا أخذوا بالحسبان رداً مباشراً ضد ممتلكات إيرانية. يبدو وباحتمالية أعلى أنهم سيختارون القيام بـ “الخطوات نفسها” في اليمن ومحاولة زيادة وتيرة هجماتهم على أهداف للحوثيين. بهذا المعنى، فإن تحمل المسؤولية من قبل الحوثيين عن الهجوم مريح للسعوديين، لأن ذلك يريحهم في خفض ارتفاع اللهب والرد “إزاء إيران”. وبموازاة ذلك، السعوديون يؤكدون من خلال إظهار ضعفهم أن الهجوم يشكل ضربة شديدة لأمن الطاقة العالمية الذي يقتضي عملاً دولياً مصمماً للدفاع عن منشآتهم النفطية.

من ناحية الولايات المتحدة، فإن الرئيس ترامب هو الآن في فخ، فهدف استئناف المفاوضات مع إيران على اتفاق جديد وإمكانية اللقاء بينه وبين الرئيس الإيراني، بموازاة الامتناع عن الانجرار إلى خطوات عسكرية كانت وما زالت المصالح الرائدة. في المقابل، إن هجوماً على أهداف النفط يشكل إضراراً بالمصالح الجوهرية للولايات المتحدة عندما يعلن الرئيس الأمريكي بأنه أمر بدراسة فتح مخزونات النفط الاستراتيجية. علاوة على ذلك، الإدارة تفهم أن الصعود درجة يعني العملية الأخيرة، وكذلك حقيقة أن مقاربة الرئيس ترامب المترددة لرد عسكري على الخطوات الإيرانية هي حث طهران على رفع نسبة المخاطرة.

معان رئيسية

مهاجمة دقيقة لأهداف في السعودية تعد تظاهرة إيرانية لقدراتها العملية، والأكثر من ذلك هي تجسد تصميمها على إثبات أنها تنوي تنفيذ تهديداتها بإلحاق أضرار كبيرة بسوق النفط طالما استمر الضغط عليها. هذه العملية تجد تطبيقها عندما تنفذ في موازاة الجهود المتواصلة من جانب الرئيس ماكرون، وكما يبدو بالتنسيق مع الرئيس ترامب من إجل الدفع قدماً بحل يخفف من العقوبات وبدء المفاوضات.

الضعف السعودي على خلفية الحرب المستمرة في اليمن وتردد ترامب في الرد عسكرياً على الخطوات الإيرانية، يشمل إسقاط الطائرة بدون طيار الأمريكية… قللت من قوة الردع الأمريكية، وحثت الإيرانيين على زيادة المعركة في الخليج.

إيران أثبتت تفوقها غير المتوازن في الخليج وهشاشة خصمها الإقليمي الرئيسي بصورة تزعزع الجبهة العربية أمامها، وتؤدي إلى إضرار آخر في مستوى ثقة دول الخليج العربية بالدعامة الأمنية الأمريكية.

حتى لو لم يؤد رد أمريكي في الوقت الحالي على هجوم السعودية إلى اندلاع شامل بالضرورة، فيه ما من شأنه أن يعيق جهود التوصل إلى تهدئة ويسرع خطوات إيرانية أخرى ضد أهداف في الخليج، وتآكل آخر لالتزامها بالاتفاق في السياق النووي.

من ناحية إسرائيل، رغم الاختلاف في طبيعة الساحات، ففي خطوات إيران رسالة غير مباشرة وواضحة بخصوص قدراتها العسكرية المتطورة. تلك القدرات التي يمكنها استخدامها أيضاً من خارج أراضيها، إزاء استمرار الهجمات الإسرائيلية في سوريا والعراق، وكذلك إشارة إلى حالة حدوث تدهور عسكري بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.

شاهد أيضاً

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل رقيب وصواريخ المقاومة تدك غلاف غزة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل رقيب احتياط في معارك شمال قطاع غزة، وفي حين تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها ومنها إطلاق صواريخ على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، تستعد قوات الاحتلال لشن عمليات في بيت لاهيا شمالي القطاع.