صناعة الاعداء

بقلم : أدهم شرقاوي

بعد حروبٍ طويلةٍ استطاع “محمد شاه خوارزم” أن يُشيِّدَ إمبراطوريةً شاسعة، تمتدُّ من تركيا إلى أفغانستان، لها جيشٌ قويٌّ، وعاصمةٌ جميلةٌ جداً هي سمرقند!

وفي هذه الأثناء كان المُحارب الشاب “جنكيز خان” قد تولَّى السُلطة في منغوليا، وجاء إلى “محمد شاه خوارزم” بأطنانٍ من الهدايا، طمعاً منه أن يفتحَ له طريقَ التجارةِ إلى الهند.
ولكن “محمد شاه خوارزم” عامل “جنكيز خان” بازدراء، وقال له: من أنتَ أيها الهمجي حتى تُحدثني كَنِدٍّ مُساوٍ لي!

ولكن “جنكيز خان” لم ييأس وحاولَ مرةً أخرى أن يجدَ له مكاناً تحت جناح “محمد شاه”، فأرسل قافلةً أخرى محملةً بالهدايا إليه، وعرضَ عليه عرضه القديم مرَّةً أخرى.
غضبَ “محمد شاه خوارزم” وقام بقطع رأس أحد السُفراء، وحلقَ رؤوس الباقين، وأرسلهم إلى “جنكيز خان” الذي اعتبرَ أنَّ هذه إهانة لا يُمكن قبولها حتى وإن صدرتْ من السُلطان القوي جداً!
فأرسلَ رسالةً إليه يقول فيها: لقد اخترتَ الحربَ، فليكُنْ لكَ ما اخترت!

فشنَّ عليه حرب عصاباتٍ على مدار سنوات، أنهكَ له فيها جيشه، وكان يحتل إمبراطورية “محمد شاه” مدينةً مدينةً، إلى أن حاصرَ العاصمة سمرقند أخيراً، فسقطتْ بيده، وهربَ “محمد شاه”، وتوفي في مكانٍ ما بعد عام، وأصبحَ”جنكيز خان” ملكاً على كل ما كان أولاً بيد “محمد شاه خوارزم”!

للأسف إن الناس يصنعون أعداءً أكثر مما يصنعون أصدقاءً، لسنا مطالبين أساساً أن نُوسِّعَ دائرة صداقاتنا، ولكن الحكمة تقتضي أن الشخص الذي لا أريده صديقاً ليس بالضرورةِ أن أجعلَه عدواً!

لم يُرِدْ “جنكيز خان” أكثر من أن يكون تحت جناح “محمد شاه خوارزم”، وكانتْ الحنكةُ تقتضي أن يقبلَ بالعرض، على الأقل في عالمِ السياسةِ من المُحبَّذ جداً أن يعثرَ الحاكم على من يقوم بالنيابة عنه في بعض الحروبِ والمهام، كان يُمكن “لخوارزم” أن يجعلَ من “جنكيز خان” سيفاً يضربُ به، أو عصا يهُشُّ بها، ولكنه لعنجهيته صنعَ من “جنكيز خان” عدواً أزال له مُلكه!

وما يصحُّ في عالمِ السياسة يصحُّ في عالمِ الناسِ، كُفُّوا عن صناعةِ الأعداء

أدهم شرقاوي

شاهد أيضاً

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل في 7 أكتوبر

صرح الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الإثنين، إن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ميجر جنرال أهارون هاليفا، استقال، وإنه سيترك المنصب بمجرد تعيين خلف له.