صلاح الدين هل يبعث في الأمة من جديد؟

بقلم: ناصر الفضالة

الرِّجال حقًّا تصنعهم العقائدُ والأهداف والغايات العِظام، هكذا كان القائدُ صلاح الدِّين الأيُّوبي – رحمه الله – فقد جاءَ في وصف هذا القائد الرَّبانيِّ: أنَّه حسنُ العقيدة، عظيمُ الخُلق، شديد المواظبة على صلاة الجماعة، حريصٌ على السُّنن والنوافل، يقومُ اللَّيل، رقيقُ القلب، إذا سمع كتابَ الله، دمعتْ عيناه ووجل قلبه، كثير التَّعظيم لشعائر الله، وكان حسنَ الظنِّ بالله، شديدَ الوثوق به والاعتماد عليه، عظيمَ الإنابة إليه.

كما كان رؤوفًا رحيمًا، ناصرًا للضَّعيف، محبًّا للعدالة – ولو على نفسه وأهله – حسنَ الشمائل، كريمًا بارًّا، لطيفَ العشرة، طاهرَ المجلس، نقي الصُّحبة، لا يُغتاب أحدٌ عندَه، ولا يُهان في مجلسه، طاهرَ اليد، نقيَّ القلب، صادق السَّريرة، ما كَتب شيئًا في مظلمة أحدٍ أو إيذائه، كما كانت الشَّجاعةُ فطرةً فيه، شديدَ البأس، قويَّ العزيمة، عاليَ الهمة، لا يَتضعْضَع أمامَ الحوادث الجِسام، صادقَ النظرة، نيِّرَ الحدس، مولعًا بالجهاد في سبيل الله، شديدَ الغَيْرة على المسلمين، لا يرهب عدوًّا مهما كثر عددُه، ولا يخاف نزالاً – ولو تناوشته السِّهام والحِراب – محبًّا لوطنه حانيًا عليه، شديدَ الألم لمصابه، أحلامُه أحلامُ أبطال، لا يعرف المستحيل، يعيش مع جُندِه، ويُصاحب مقاتليه، يعيش مثلَ معيشتهم، ويلبس مثلَ لِباسهم، لم يدَّخر مالاً، حتَّى إنَّه عندما مات لم يكن لديه من الأموال ما تجبُ فيه الزَّكاة، ولم يُخلِّف في خزانته من الفِضة والذَّهب غير 47 درهمًا ناصرية، ولم يُخلِّف ملكًا ولا دارًا، ولا عقارًا ولا مزرعة.

الْتزم أحكامَ الإسلام، وحَرَص على تطبيقها على الجميع، وكان قدوةً في الالْتزام بها، والحرصِ عليها، كما كان حريصًا على رفْع الظُّلمِ عن الناس، وردِّ الحقوق إلى أصحابها، وألْغى الضَّرائب والمكوس – على رغمِ ما كانت تُدِرُّ من دخل كبير للدولة – كما كان يستقدم العلماءَ العاملين، ويفسح لهم مجالَ التربية والدَّعوة في المدارس والمساجد، وأوقف عليهم الأوقاف، فانتشر نورُ الإيمان والعلم بين الرعية، وكان يَسمع نصيحةَ العلماءِ، ويُجلُّها ويُقدِّرُها.

وَضَع صلاحُ الدِّين نُصبَ عينيه تحريرَ بيت المقدس، وتحريرَ أرض الإسلام من الإمارات الصليبيَّة، التي زُرعت في دِيار المسلمين في غفلةٍ منهم وضياع، وأعدَّ لذلك إستراتيجيَّةً عظيمة، تتمثَّل في الانطلاق مِن قاعدة قويَّة ومأمونة، بإعادة وَحْدَة المسلمين وتقويتها، وبناء الإنسانِ المسلم المقاتل بعقيدةٍ وإيمان، وإعداد الاقتصاد الحربيِّ الذي يَضمَن للمسلمين المؤنةَ والصُّمود، وعَمِلَ على بناء مجتمع الاستقرار الحربيِّ ببناء الجبهة الدَّاخليَّة، وحرصه على إشاعة العدل، وإزالة الأحقاد والأضغان، وبث رُوح الإيمان والتَّعاونِ والإيثار، وتوجيه العداء ضدَّ الصليبيِّين، كما أقام الصناعاتِ الحربيَّة، وصناعةَ السفن، وبناء الحصون وحمايتها، وأمدَّها بتجهيزاتِ الحِصار.

كما قام بتحديد أهدافه العسكريَّة، ورسم أولوياتِه، وإعداد قادته من رِجال دولة؛ لقيادة الأمَّة، ومِن قادة حرب؛ لطردِ الصليبيِّين، وهذا الوضوح وتلك الإستراتيجيَّة ساعَدَا على كفاءة الأداء والتفوُّق التكتيكي على العدوِّ المدرَّبِ والمجهَّز للتوسُّع والاحتلال، وحَرَص على رفْعِ رُوح المسلمين المعنويَّة، وتبنَّى الاستعداداتِ القتاليَّةَ المستمرة، والحرص على استعمال كلِّ جديد وفاعل من السِّلاح، محدِّدًا لكلِّ عملياته الأساليبَ المدروسة والمناسبة، كما استغلَّ النزاعاتِ السياسيَّةَ بين الأعداء بضرْبِ بعضهم ببعض، واستعمل إستراتيجيَّة الهجماتِ الوقائيَّة التي ترعب العدو، وتعطِّل تحرُّكاته قبلَ استكمال استعداد

وكانت نتيجة ذلك أنِ انتصرَ صلاحُ الدِّين في معركة حِطِّين الفاصلة بحوالي 13 ألف مقاتل، في مقابل جيش الفِرنجة المكَوَّن من حوالي 63 ألف مقاتل، ووقع في الأسر الملك (جاي) ملك بيت المقدس، وأخوه (أرناط) وغيرهما، وقَتل المسلمون من الفرنجة ثلاثين ألفًا، وأَسروا ثلاثين ألفًا، ولم يُسمع بمثل هذا اليوم عِزًّا للإسلام وأهلِه، وبات المسلمون لَيلتَهم يُكثرونَ من التَّكبير والتهليل، ووُجِد صلاحُ الدِّين ساجدًا لله؛ شُكرًا على هذا النَّصْر للمسلمين، وبعدَ هذه المعركة، فُتِحتِ الطريقُ أمامَ المسلمين لتحرير معظم أراضي فلسطين، حتى تُوِّج النصر بتحرير بيت المقدس.

ألسْنَا في حاجة لقادة من أمثال صلاح الدِّين في تقواه وحبِّه لأمَّته، وشجاعته، واستبساله ونزاهته؟! لا بدَّ للأمَّة أن تنشغل بإعداد مثلِ هذا القائد الفذِّ، فلا أملَ ولا خلاص إلاَّ بذاك، ومع كلِّ وقت يمر ويزداد القهر والضياع والمهانة للأمَّة، لا بدَّ مِن إعداد صلاحِ الدِّين؛

ليقودَ الأمَّة إلى النَّصر المبين، لا إعداد الصِّغار المهازيل، فلا صلاحَ إلاَّ بصلاح الدِّين، ولا عزَّ ولا نصر إلاَّ بالقادة المتَّقين العاملين، المتجرِّدين الصالحين

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".