سورة لقمان.. نموذج للحوار القلبي الأبوي في التربية

ريما محمد زنادة

عند تلاوة سورة لقمان ستجدها مدرسة، بل أعظم في التربية الراقية الحسنة في التعامل مع الأبناء وتعليمهم.

فحينما تتأمل في كلماتها ستجد الجودة في الحوار التربوي من خلال المشهد المتمثل في حديث لقمان عليه الصلاة والسلام وهو يعلم ابنه ويرشده إلى الهدى، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ..﴾ (لقمان: 13).

عند التأمل سيتبين المشهد الأسري في الجلوس بين أفراد العائلة المتمثلة في هذه الآية الكريمة بين الأب والابن، وهي لفتة مهمة تستدعي من كل أب القرب الجسدي القلبي قبل الحوار مع ابنه، أي أنه لا بد أن يخصص من وقته حتى يكون قريبا من أبنائه في الحديث معهم والاستماع لهم وما يدور لديهم من أحداث حتى يصحح لهم الخطأ ويرشدهم إلى الطريق الصواب، ويُشيد بهم عند فعل الخير.

وهذا لا يكون إلا بالحوار، لكن ليس أي حوار، فلا بد أن يكون فيه أجواء من الحب والحنان والرأفة من الوالد للولد، وكان ذلك واضحًا في حديث لقمان عليه الصلاة والسلام عندما قال ل لابنه ﴿ يَا بُنَيَّ﴾، تشعر من خلالها التقارب القلبي الأبوي.

حينما تتوفر هذه الأجواء من الحوار الأبوي سيكون بالتأكيد اطمئنان قلبي سيشعر به الابن، وسيكون لهذا الحوار نتائج إيجابية يستطيع من خلالها أن يوجه بها الأب الابن إلى طريق الصلاح والخير، وفي الوقت ذاته سيقابل الابن هذا الأمر باستماع واهتمام بقول والده.

الإرشاد التربوي للعقيدة السليمة
والآن بعد أن توفرت الأجواء الطيبة للحوار جاء دور الأب في الحديث عن أهم الأمور التي تبنى عليها العقيدة الصحيحة الخالية من أي شوائب، وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له حيث جاءت في قوله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان: 13).

وهذا يؤكد على ضرورة تعليم وتربية الأب للأبناء وإفهامهم العقيدة الصحيحة وأن أساس الإيمان يقوم على عبادة الله تعالى وحده.

وهنا يبيّن لهم أن الإسلام منهجه المستقيم يقوم على الشهادة بأن لا إله إلا الله من خلال الإيمان القلبي والعملي لها.

وفي الوقت ذاته بعد أن بيّن لقمان عليه الصلاة والسلام لابنه العقيدة السليمة التي يجب أن يعتنقها ابنه، أوضح له خطورة وهلاك من يشرك بالله تعالى.

الإرشاد التربوي بإقامة الصلاة
ومن توجيهات سورة لقمان التربوية الحفاظ على أجواء الحب في مواصلة الحديث، وهذا كان واضحا في مواصلة حديث لقمان عليه الصلاة والسلام في استعماله بين موعظة وأخرى ﴿ يَا بُنَيَّ﴾.

هذا الأمر سيجعل الابن في شعور راحة، وبذلك سيزداد لديه الاطمئنان القلبي والرغبة في السماع أكثر والتعلم.

وفي قوله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ (لقمان: 17)، في هذه الآية الكريمة تدرّج في التربية والتوجيه، حيث بدأ لقمان عليه الصلاة والسلام مع ابنه في الموعظة بالأهم، وهي عدم الشرك بالله تعالى، بعد ذلك أوضح له ما ينبغي عليه فعله للتأكيد على تحقيق الإيمان القلبي والفعلي من خلال تطبيق أمر الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك العبادة العظيمة وهي الصلاة.

إن كل أبّ مسؤول عن تعليم ابنه العبادات التي أهمها الصلاة، فلا يتوقف دور الأب بنصحه بالصلاة، بل عليه أن يترجم ذلك عمليًا بتعليمه الوضوء، وشروط وأركان الصلاة، وأن لا يتهاون في ذلك أبدًا.

الإرشاد التربوية في فعل الخير
والآن بعد أن اطمئن الأب في وعظ ابنه في تحقيق العقيدة السليمة وإقامة الصلاة، جاء الإرشاد التربوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ..﴾ (لقمان: 17).

وذلك فيه تبيان لما يجب أن يرشد به الأب ابنه في التربية، بأن يعلمه ويحثه على فعل الخيرات قدر المستطاع سواء بالكلمة الطيبة أو من خلال مساعدة الغير أو غير ذلك من أعمال البر التي حث عليها الإسلام العظيم.

وفي الوقت ذاته إرشاده بعدم السكوت عند رؤية المنكر، أي ما يخالف شرع الله تعالى، بل عليه أن ينهي نفسه وغيره عن قول أو فعل يغضب الله سبحانه وتعالى.

الإرشاد التربوي في الصبر
ومن العبادات الجليلة هنا الصبر، وما يؤكد ذلك هو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153) وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (الزمر: 10) وغيرها من الآيات الكريمة التي تبين الأجر العظيم للصبر، وبها ينبغي للأب أن يرشد ابنه لهذه العبادة العظيمة بأن يتحلى بالصبر، فالصبر لا يأتي إلا بكل خير، فيصبر على ما يصيبه من كثير من الأمور.

الإرشاد التربوي في التواضع
ومن الأخلاق الطبية التي لا بد أن يتحلى بها المؤمن، التواضع وعدم التكبر على الناس خاصة وأن التكبّر والتفاخر من الصفات التي لا يحبها الله عز وجل، حيث جاءت في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان: 18).

وفي ذلك إرشاد تربوي واضح بوعظ الأب ابنه بالتحلي بالتواضع وعدم التكبر على الناس، وينبغي على الأب أن يعلم ابنه طريقة مشيه بأن لا يكون فيها تفاخر وتكبر على الناس واستحقارهم.

ويلاحظ ذلك في الإرشاد التربوي لقوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان: 19).

وعند تلاوتها يتبيّن كذلك الإرشاد في الحديث، حيث تجد أن لقمان لم يغفل في وعظه لابنه أن لا يكون صوته عاليا بحيث يؤذي من حوله.

همسة لكل أب
هذه بعض الإرشادات التربوية التي ذكرت في سورة لقمان، والتي قدمت نموذجًا مثاليًا ينبغي على كل أب الاقتداء به في تعليم الأبناء خاصة وأن البعض يجهل واجبه في التربية الدينية والأخلاقية لأبنائه وينشغل بتوفير الماديات المُختلفة لهم والتي منها منها المهمة وغير المهمة كذلك، وبذلك يقضي ساعات طويلة لأجلها بعيدًا عن جلسات حوارية قلبية هادئة في تربية أبنائه.

ولذلك أذكّر كل أب بأن أبناءك بحاجة لك، بحاجة لوجودك بينهم والجلوس معهم في جلسة حوارية طيبة تسود فيها أجواء الحب والحنان والنصح والإرشاد بلطف، فهم بحاجة لك كثيرًا.

ورحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي بالعفو والمغفرة ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".