زيارة مشعل إلى لبنان.. تفاصيل مثيرة خلف الكواليس

أحمد سمير قنيطة

شهدت المخيمات الفلسطينية مؤخرا حالة من الهرج والاضطراب بعد وقوع انفجار في مخيم البرج الشمالي بمدينة صور (جنوبي لبنان)، وذلك بعد حدوث تماس كهربائي في مخزن يحوي كمية من أسطوانات الأكسجين والغاز المخصصة لمرضى كورونا وفق الرواية الرسمية لحركة حماس، وما تبع ذلك من أحداث مؤسفة خلال تشييع جنازة الشهيد حمزة شاهين، حيث أطلقت عناصر من الأمن الوطني التابع للسلطة في رام الله النار بشكل مباشر على المشاركين في موكب التشييع، ليرتقي 3 شهداء من عناصر حماس، بالإضافة إلى وقوع عدد من الجرحى من أبناء شعبنا المشاركين في موكب التشييع.

جاءت زيارة خالد مشعل إلى لبنان بعد تشاور وموافقة من المكتب التنفيذي لحركة حماس وبدعم رئيس الحركة إسماعيل هنية، على أن يكون الوفد الممثل للحركة بقيادة الأخ أبو الوليد وبمشاركة عدد من الشخصيات القيادية، وتم التفاهم على برنامج الزيارة وأهدافها المرجوة، حيث أبلغت قيادة حماس القيادة اللبنانية ممثلة برئيس الوزراء نجيب ميقاتي بموعد الزيارة، والذي أبدى بدوره موافقته على الزيارة ورحب بالوفد الحمساوي بقيادة خالد مشعل، لما يدركه من حجم حضور وتأثير شخصية مهمة كأبو الوليد في تهدئة المخيمات الفلسطينية والحفاظ على استقرارها وتدعيم الأمن والسلم المجتمعي داخلها.

هدفت قيادة حماس من خلال هذه الزيارة إلى التواصل مع الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، والتباحث مع مختلف أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان من فصائل وهيئات وفعاليات شعبية في قضايا الهم الفلسطيني المشترك.

كما حرصت حماس على اللقاء مع أهالي شهداء وجرحى مجزرة البرج الشمالي، لتهدئة خواطرهم وطمأنتهم بأنها ستعمل على محاسبة المجرمين وفق القانون اللبناني وعبر أدواته الرسمية، ثم التباحث في القضايا الوطنية مع رئيس الحكومة والشخصيات السياسية اللبنانية حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وسبل تعزيز صمودهم من خلال خطوات جادة وملموسة.

وكان من الطبيعي أن تبلّغ حركة حماس القوى السياسية الفاعلة في الساحة اللبنانية بنيّة الحركة زيارة لبنان، لتنسيق بعض اللقاءات مع هذه القوى -بما فيها حزب الله- كما جرت العادة، فكان اللقاء مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ومفتي لبنان، والجماعة الإسلامية اللبنانية.

والتقى مشعل كذلك مع زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط أحد مؤسسي تحالف 14 آذار، وكان من المفترض أن يلتقي وفد حماس أيضا بقيادة حزب الله ورئيس البرلمان وزعيم حركة أمل نبيه بري أحد أهم أقطاب تحالف 8 آذار، وذلك في إطار حشد الدعم للقضية الفلسطينية من خلال التواصل مع مختلف القوى اللبنانية على حد سواء.

لكن قيادة حزب الله وما تمثله من ثقل في التعبير عن السياسة الإيرانية في المنطقة آثرت التشغيب على زيارة مشعل، كون الموقف الأخلاقي المتمثل بقرار حماس مغادرة سوريا إبان انطلاق الثورة الشعبية بداية عام 2011 -والذي اتُخذ بإجماع كامل من كافة أقاليم الحركة حينها- كان في فترة قيادة خالد مشعل المكتب السياسي لحركة حماس، فطلبت قيادة الحزب ابتداء تأجيل اللقاء دون إبداء أسباب ذلك، ثم صرحت لاحقا عبر الأطر الرسمية للتواصل بين الطرفين بأنها غير معنية بزيارة مشعل إلى لبنان، وأنها لن تتحمل أي مسؤولية أمنية تجاه هذه الزيارة، مما يمكن قراءته أنه نوع من التهديد المبطن بهدف إلغاء الزيارة كليا.

لم تتوقف قيادة حزب الله عند هذا الحد من محاولات التدخل في الشأن الحمساوي الداخلي والسعي للتأثير في اختيار قيادة الوفد الممثل للحركة، بل منعت وسائل الإعلام من تغطية استقبال مشعل في مطار بيروت الذي يسيطر عليه الحزب، من خلال حجم تأثيره ونفوذه واختراقه للمؤسسات السيادية في لبنان، فأرسل رئيس الحكومة اللبنانية ممثلا عنه لاستقبال مشعل وتأمينه بالشكل المطلوب عبر مؤسسات الدولة اللبنانية، ثم تمادت قيادة الحزب حين أوعزت لحليفها الرئيس نبيه بري بإلغاء لقائه مع وفد حماس، ثم بسحب الترخيص لمهرجان جماهيري لإحياء ذكرى انطلاقة الحركة، إمعانا في الضغط عليها لفرض رؤية الحزب الخاصة حول هذه الزيارة المهمة.

أمام هذا المشهد المعقد والضغط الكبير الذي مارسه الحزب اللبناني وحليفه النظام السوري -عبر أبواقه الإعلامية- على قيادة حماس أملا في فرز قيادتها والتدخل في قرارها السيادي والتأثير في اختياراتها السياسية كان لزاما على الحركة اتخاذ موقف جريء وقرار وشجاع يتمثل في إنفاذ هذه الزيارة وفق البرنامج المتفق عليه من اللجنة التنفيذية فيها وفي الوقت المحدد، حماية لشخصية الحركة المستقلة وحفظا لهيبتها واستقلال قرارها، وقطعا للطريق على المحاولات البائسة لشق صفها والعبث بتماسكها الداخلي، وهذا ما نجحت به قيادة حماس تماما من خلال إنجاح الزيارة وتحقيق أهدافها بالشكل المطلوب.

وهنا لا بد من تسجيل موقف احترام واعتزاز بشخص قائد حركة الجهاد الإسلامي الأخ زياد النخالة (أبو طارق) الذي أصر على اللقاء مع مشعل رغم علمه المسبق بمعارضة الحزب ورفضه هذه الزيارة، ليؤكد على ضرورة استقلال القرار الوطني، ووقوف الكل الفلسطيني وفق رؤية ناضجة وواعية أمام المسؤولية التاريخية في تعزيز احترام تضحيات شعبنا وهيبة فصائله، لقطع الطريق على مساعي العبث والتأثير في الفكر السياسي الوطني وأهدافه الإستراتيجية، وترجمة ذلك في أحد جوانبه من خلال إقامة علاقات متوازنة مع كل القوى التي تشترك مع شعبنا في العداء لـ”إسرائيل” على قاعدة الاحترام المتبادل والندية والثقة بالنفس، لا على أساس التبعية والارتهان للأجندات الخارجية كما يسعى “الحليف المفترض”.

هذه المواقف الحازمة والناضجة من قيادة حماس ممثلة بشخص مشعل لاقت استحسان شريحة واسعة من النخب السياسية الفلسطينية الوازنة، وتفاعل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينيين والعرب مع هذه القضية لتسجيل مواقف الدعم والإسناد لخالد مشعل الذي تعرض أثناء زيارته إلى لبنان لحملة إعلامية قذرة من قبل بعض الشخصيات السياسية والأذرع الإعلامية المرتبطة بحزب الله.

وسجلت كذلك عدد من النخب الفكرية والإعلامية في الأمة مواقفها المشيدة بمشعل وخطابه المتوازن تجاه القضايا المختلفة، فانقلب السحر على الساحر وفشلت الحملة الإعلامية التحريضية التي خطط لها الحزب، وحققت نتائج معاكسة عززت قيمة حماس وحضورها الجماهيري لدى عمقها العربي والإسلامي، ورسخت ثقتها في الوعي الجمعي في الأمة كحركة حرة مجاهدة عصية على التطويع وتأبى التبعية والارتهان.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".