زمن كورونا

حسن أوريد

انتقلنا في غضون شهرين، من زمن إلى آخر، تبدو فيه فترة ما قبل الشهرين المنصرمين، وكأنها تمُتّ إلى زمن بعيد، نفارق فيه عالما، ونُقبل على آخر، لم تبدُ معالمه بعدُ. ندرك أن معالم العالم المقبل وأولوياته ستختلف عما هي عليه الآن، وستتغير علاقات الفاعلين والقواعد المنظمة للدول والمجتمعات والأفراد، مثلما ستتغير أوضاع الفاعلين على مستوى العلاقات الدولية.

ومن يدري، لعل القوى المتحكمة أن تنظر إلى الأخطار الجديدة العابرة للقارات، التي تهدد البشرية جمعاء، كي تتضافر جهودها من أجل صد الأعداء الجدد غير المرئيين، من أوبئة وتغيرات مناخية، مما يجعل كل أدبيات المواجهة متجاوزة وغير ذات موضوع، حول العدو، والصراع، والتنافس والتكتيك والاستراتيجية، والتحالف، والاحتواء، وسباق التسلح، وما شابه ذلك. لا يمكن أن نواجه عالم الغد، بقواعد عالم الأمس، أيا كانت مراتب الفاعلين وأوضاعهم.

لكن ماذا عن الفاعلين الدوليين؟ هل ستبقى الريادة للغرب؟ هل سيظل الغرب واضع القواعد الناظمة للعالم، أم أننا سنشهد فاعلين جددا، مع تعاظم دور فاعلين وتقلص آخرين؟ أو بتعبير أوضح، هل ستبقى الريادة للغرب، وهو سؤال يطرحه الغربيون أنفسهم، ويعود بحدة في خضم أزمة كورونا، مثلما أفردت مجلة «فورين أفيرز» الرصينة عددها الأخير لفصل الربيع، لدور الولايات المتحدة المرتقب في عالم متقلب. السؤال حول ريادة الغرب ليس جديدا بالطبع، ويعود إلى أعقاب الحرب العالمية الأولى، إلا أن أزمة كورونا أعادته مجددا، بالنظر إلى المتغيرات الدولية التي حدثت في غضون العشر سنوات الأخيرة، مع الأزمة المالية لسنة 2008، التي شككت في النموذج الاقتصادي النيوليبرالي، وتنامي دور الصين الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي، ودخول روسيا حلبة الصراع الدولي، وأزمة الاتحاد الأوروبي، وصعود ترامب. ومن شأن أزمة كورونا أن تُسرّع من دينامية التحولات القائمة.

إلا أن المشكل الكبير هو العلاقة بين الغرب عموما والصين، أو الولايات المتحدة والصين على وجه الخصوص. يبدو الجانب التجاري الأبرز، وهو يأخذ شكل حرب تجارية بين البلدين، مع إجراءات حمائية اتخذتها الولايات المتحدة، وعقوبات اقتصادية على شركات صينية، واتهامها لها بخرق قواعد التنافس والشفافية. الولايات المتحدة، كما الغرب عموما، لا ينظرون بارتياح لتنامي دور الصين اقتصاديا وتكنولوجيا، فضلا عن تكثيف شبكتها في العالم، عبر مشروعها الضخم طريق الحرير. ويرى الغرب في المشروع توجها لفرض الصين هيمنتها الاقتصادية والتقنية، ما قد يكون توطئة لوصاية سياسية. لم يعد الغرب ينظر إلى الصين كشريك اقتصادي، بل كخطر يتهدد مصالحه الاستراتيجية. خطر الصين يجعل من روسيا تناقضا ثانويا يمكن التعامل معه، ولذلك تسعى بعض الأطراف الغربية، فرنسا بالدرجة الأولى، وحتى أمريكا ترامب ألا تفقد روسيا.

شاهد أيضاً

غزة تنزف….

غزة اليوم هي عضو الأمة الأشدّ نزيفا من بين كثير من الأعضاء التي لا تزال تنزف من جسد المسلمين، ومخايل الخطر تلوح في الأفق على المسجد الأقصى، الذي يخطط المجرمون لهدمه، أو تغيير هويته وتدنيسه، ولا يمنعهم من ذلك إلا الخوف من بقايا الوعي والإيمان في هذه الأمة أن تُسبب لهم ما ليس في الحسبان.