رقمنة الحياة

السلطات التنفيذية والسلطات التشريعية، وكذلك بين صلاحيات الدولة وحقوق الإنسان ويرتبط بما سبق أن يصبح نزول الجيش إلى الشوارع وقيامه بإدارة الأمور ورعاية “المصالح العليا للبلد” سلوكاً عادياً طبيعياً، قد يسمح لاحقاً “بشرعنة” تدخله في الحياة العامة. وهذا الجانب قد يكون جديداً في بعض البلدان، لكنه موجود في بلادنا، غير أنه سيجد غطاء جديداً ليمدَّ رجليه ويوسع صلاحياته، مع انحسار أعداد المعارضين والمحتجين.

وثمة سلبية مرتبطة بالتوسع في استخدام الإنترنت والتواصل والإدارة والعمل عن بُعد، وهي “الكسل الدماغي”، إذ إن ارتباط العمليات الحسابية، والبحث والذاكرة، وحفظ الأسماء والأرقام والذكريات والمواد العلمية والثقافية، في الحاسوب أو الهاتف، يحمل مخاطر عدم سعي الإنسان لتحفيز إمكاناته الذاتية. وهذه سلبية قديمة متجددة؛ لكن الضغط الهائل للجائحة باتجاه العزل المنزلي، وتكييف الحياة وإدارتها “الكترونياً” سيدفع نحو تعميق هذه السلبية، وتعطيلٍ أكبر لقدرات الإنسان وإمكاناته.

أكثر المواضيع خطورة ما جرى ويجري تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، هو مشروع “رقمنة” حياتنا ونشاطاتنا المختلفة المالية والتعليمية والصحية والاقتصادية. ويتم ذلك عبر إنشاء شبكة تشمل جميع الأشياء من إنسان وحيوان وجماد ووسائل وخدمات؛ من خلال ما يعرف بإنترنت الأشياء (Internet of Things- IoT)؛ ومن خلال تطوير شبكة الاتصال العالمي من الجيل الرابع (v4) إلى الجيل السادس (IPv6)، بحيث تستوعب أعدادا مضاعفة مما كانت تستوعبه من قبل، وتكفي لتواصل الإنسان مع مؤسسات الدولة، ومع العمل، والبيئة الاجتماعية، ومع أدواته المنزلية (ثلاجة، مكيف، تلفزيون، إلخ)، ووسائل موصلاته سيارته؛ ومع خدمات الشراء والتسوق.

ويقول المُتبنون للموضوع إن ذلك يتم من خلال شريحة صغيرة (بحجم حبة الأرز) تُزرع تحت جلد الإنسان، يُطلق عليها “آر اف أي دي” (Radio Frequency Identity document RFID)، تأخذ شكل الهوية العالمية الموحدة. ويضيف المتحدثون في “المؤامرة” أن الأنظمة العالمية والدول ستستفيد من “كي الوعي” الذي حصل نتيجة جائحة كورونا، وسهولة تقبل الناس لأي إجراءات أو قيود “لشرعنة” فكرة هذه الشريحة وقوننتها، بحيث لا يستطيع الإنسان السفر أو العمل أو الحصول على الخدمات من دون تركيبها.

وهذا يعني عملياً “تشييء الإنسان” أي يصبح مجرد شيء يسهل مراقبته والتحكم به عن بُعد، بل ويسهل قتله في ثوان من خلال إعطاء أوامر للشريحة بإيقاف التنفس أو نبض القلب مثلاً. وبتعبير آخر، يفقد الإنسان أهم خاصيتين في كونه إنساناً وهما الحرية والإرادة، بالإضافة إلى فقدانه لأهم احتياجاته وهي “الخصوصية”.

ما مدى صحة ذلك؟

المؤيدون لصحة اتهام قوى كبرى أو جهات نفوذ عالمية ممن يُنسبون عادة إلى تبني “نظرية المؤامرة”؛ يتحدثون عن حالة متعمدة في نشر الفيروس وتطويره خرجت من المختبرات (الصين، أمريكا، دول أوروبية…)، وعن تضخيم إعلامي كبير غير متناسب إطلاقاً مع حجم الضرر الذي يتسبب به الفيروس؛ الذي هو أقل بكثير مقارنة بوفيات الإنفلونزا والإيدز والأمراض المعدية والملاريا وحوادث الطرق وغيرها. وهدف هذا التضخيم إنشاء حالة هلع وذعر تتبعها الإجراءات التي نعايشها لتهيئة الناس لقبول التنازل عن خصوصياتهم وجوانب من حرياتهم وإراداتهم. ويستشهدون على ذلك بأن الهزة العالمية التي تسببت بها كارثة انهيار البرجين (11 أيلول/ سبتمبر 2001) نتجت عنها إجراءات أمنية عالمية واسعة استُخدمت ذريعة في التضييق على الحريات والرقابة على الناس، بل وفي احتلال دول وإسقاط أنظمة سياسية. وبعد أن كان الناس يرفضون الكاميرات ويستهجنون تركيبها، فقد أصبحت أمراً طبيعياً حيث تنتشر عشرات الملايين منها الآن في الشوارع والشركات والمنازل. ولا يوجد ثمة مكان عام يستطيع الإنسان أن يعيش فيه خصوصيته؛ بل ويمكن الآن تعقب أي شخص من خلال بصمة الوجه، حيث التي تم تزويد الكاميرات بهذه الخاصية. ثم إن الناس قد “استسلموا” وتم “كي وعيهم” بشأن معظم خصوصياتها مع تنزيل البرامج المختلفة (فيسبوك وواتساب، وإنستغرام وغيرها) على هواتفها الذكية.

المعارضون لصحة الادعاء يقولون إن معظم ما ورد بشأن الشريحة الممكن غرسها في جسد الإنسان (RFID) غير صحيح، وأن الفكرة مطروحة منذ نحو عشرين عاماً، وأن فكرة تركيبها تحت الجلد غير عملية، لإمكانية انتهاء بطاريتها بعد مدة زمنية محدودة، وبسبب الأضرار التي تُسببها الموجات اللا سلكية والكهرومغناطيسية الناتجة عن التعامل معها للجسم. وبسبب وجود معارضة كبيرة في العالم الغربي لهكذا إجراءات، بالإضافة إلى أن ما نُسب إلى بيل جيتس بشأنها غير صحيح، كما أن الادعاء بأن عشرة ملايين أمريكي قد تم تركيبها في أجسادهم غير صحيح أيضاً. ثم إن الادعاء الذي يُصرّ على أن الفيروس لم يُطور مخبرياً ما زالت قوية، مع الإشارة إلى أنه ليس من مصلحة الدول أن تُدمر اقتصادها ومواردها المالية وتعرض مؤسساتها للإفلاس.

شاهد أيضاً

عشرات الشهداء والجرحى بغزة ودراسة أميركية تؤكد فاعلية هجمات المقاومة

قالت وزارة الصحة في غزة إن قوات الاحتلال ارتكبت 7 مجازر خلال الساعات الـ24 الماضية مما أدى لاستشهاد 71 وإصابة و12 آخرين، وفي حين أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إصابة 61 من جنوده بمعارك قطاع غزة في أقل من أسبوع، أكد معهد دراسة الحرب الأميركي فاعلية هجمات المقاومة الفلسطينية.