رئيس حركة التوحيد الإسلامية في المغرب: كل ما دون العلاقة الجنسية من التقاء ومصافحة وقبلة هي أشياء غير مجرّمة لا شرعا ولا قانونا

في الوقت الذي يتساءل بعض المغاربة عن العلاقات السرية وسط لامبالاة العامة، ولكنها مجرمة من قبل العدالة بموجب المادة 490 من القانون الجنائي، وفي جدال يشهده المغرب حول الحريات الفردية، والعلاقات الرضائية بين راشدين، وضرورة إسقاط القوانين المغربية التي تجرم ذلك.
خرج رئيس «حركة التوحيد والإصلاح»، عبد الرحيم شيخي، على الملأ بمقر نادي المحامين في الرباط، الجمعة الماضية، معتبراً «أن كل ما دون العلاقة الجنسية من التقاء ومصافحة وقبلة فهي أشياء غير مجرمة، لا شرعاً ولا قانوناً في علاقات الذكور بالإناث، منتقداً توسيع قضية الفساد».
رئيس الحركة الإسلامية، التي تعتبر الذراع الدعوي والأيديولوجي لحزب «العدالة والتنمية»، الذي يسير الحكومة منذ قرابة ثماني سنوات، فتح باباً كان موصوداً للحركة، وأشعل الجدل في البلاد، بحيث إنها لأول مرة تدق الحركة باب الحريات الفردية، من خلال ندوة معنونة بـ»جدل الحريات الفردية في المجتمعات الإسلامية انطلاقاً من القراءة في كتاب الحريات الفردية تأصيلاً وتطبيقاً»، للدكتور الحسين الموس.
شيخي في مداخلته، قال: «أين الجريمة في العلاقة بين الشباب ما لم يصلوا إلى الممارسة الجنسية؟»، مشيراً إلى «استغلال الحريات الفردية وقضية الفساد في قمع أطراف سياسية».
واعتبر شيخي أن مجموعة من المفاهيم تحتاج إلى «تجديد وتحرير العقل الإسلامي»، وأن هناك قضايا «يتهرب عليها الناس بمبررات عدة، منها أن هناك قضايا ملحة»، مشدداً على أن إذا كانت قضية الحرية «ملحة ويطالب بها شخص فهل نقمعه بمبرر أنها ليست ذات أولوية».

ردود فعل مؤيدة

ردود الفعل خلف ما قاله شيخي، كانت كثيرة، وكان من بين المعلقين على كلامه، محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث الديني، الذي قال: «تابعت تدخل رئيس حركة التوحيد والإصلاح حول الحريات العامة والفردية وحول العلمانية، ولا يمكن لي إلا أن أقول: برافو سيد عبد الرحيم موقف جداً متقدم مقارنة بسياق الرجل وانتماءاته الأيديولوجية».
القيادية في حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، آمنة ماء العينين، قالت في تعليقها على ما قاله رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إنه «في مداخلة الأستاذ عبد الرحيم وجهة نظر مختلفة عن المعهود في التفكير الجماعي التقليدي لدى أبناء الحركة الإسلامية، مما يجعلهم يواجهون النقاشات المطروحة من قبيل نقاش الحريات الفردية بالتوجس والنفور أو مهاجمة وتخوين أصحابها، بدل الخوض الهادئ في المضمون بأدوات علمية ومنهجية، وقراءة منفتحة على المجتمع في تعدده واختلافه».

ماء العينين

وأضافت ماء العينين: «أهنئ الحركة ورئيسها على الخوض في هذا النقاش الذي لا أعتبر هروب «الإسلاميين» منه أو مواجهته بعنف حلاً سليماً».
كما أشارت إلى «ضرورة الاطلاع على تصريحات راشد الغنوشي حول الموضوع نفسه، لرصد مستويات التحول في خطاب فصيل فكري أساسي في المنطقة».
وأضافت ماء العينين قائلةً: «رأيي أن حزب العدالة والتنمية بموقعه السياسي قادر بدوره على احتضان نقاش مماثل بدل اعتماد المقاربة التنظيمية التبسيطية والاختزالية في التعاطي مع نقاش مطروح اجتماعياً وقانونياً، ويحتاج إلى نفس ديمقراطي، ومنطق علمي لتدبيره بدل الاستسلام للوعي السطحي الذي يهاجم الأشخاص ولا ينفذ إلى الأفكار، مهما كان تعقيدها ومهما كانت حساسيتها».
ويشار إلى أن رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في مداخلته، أبدى أنه «لا يتفق مع النفور من العلمانية باعتبارها عداء للدين»، واعتبر أن «بعض العلمانيات غير المتطرفة حماية للدين نفسه من طغيان الدول والجماعات باستغلاله، لتأبيد الاستعباد والاستبداد»، وبذلك «يكون تحييد الدين خدمة له»، داعياً في الآن ذاته إلى تأمل علمانيات مختلفة عن النموذج الفرنسي».
وخلص المتحدث في مداخلته إلى أن «الشعوب تبحث عن هامش الحريات، لعدة أسباب منها القمع والتسلط والاستبداد»، مشيراً إلى أن حركته «لا تعترض على المواثيق الدولية»، وأن «الدين هو قيم الكونية».
الباحث المغربي، نور الدين لشهب، وفي تصريحه لـ«القدس العربي»، تساءل عن «ما هي الرسائل التي قدمها الشيخي؟ أو بالأحرى لمن كان يتوجه بهذه الرسائل؟»، وهل كان «يتوجه بها إلى أعضاء حركة التوحيد والإصلاح؟ أم أن الرسالة موجهة إلى طرف آخر خارج حركة التوحيد والإصلاح التي يتولى رئاستها؟، وهل استطاع الشيخي أن يقدم خطاباً دينياً تجديدياً؟ أم أنه يلوك كلاماً كلاسيكياً يتماشى والقانون الجنائي الذي يصفه البعض بالمتخلف؟».
الأكاديمي المغربي لشهب قال: «استمعت إلى كلام عبد الرحيم الشيخي، حيث تحدث في مداخلة لتقديم كتاب «الحريات الفردية تأصيلاً وتطبيقاً» لمؤلفه حسين الموس، واعتبر أن الجميع يقيم علاقات من إسلاميين وغريهم تبدأ من المصافحة والقبل والعناق إلى غيره، ويقصد بكلمة إلى غيره ممارسة الجنس خارج الإطار الشرعي، أي الزواج، واعتبر أن هذه العلاقة مجرمة، من التحريم، ولم يقل محرمة، وهناك فريق بين التحريم الشرعي والتجريم القانوني، مضيفاً أن هذا واقع تفرضه معطيات العولمة ولا ينبغي أن يوظف في تصفيات حسابات سياسية».
وزاد لشهب في تصريحه لـ»القدس العربي» أن هناك ملاحظات حول ما جاء في مداخلة الرجل، منها أن «كلام الشيخي هو رسالة بنت سياقها، والسياق هو ما صاحب من نقاش حول الحريات الفردية الذي يستجد حسب وقائع ونوازل كان أطرافها فاعلين سياسيين من حركة التوحيد والإصلاح، من قبيل عمر بنحماد وفاطمة النجار وأمينة ماء العينين ومحمد يتيم، وهذا النقاش استجد مع اعتقال صحافية هي هاجر الريسوني، إذن نلاحظ أن هذا النقاش هو مفروض على رئيس الحركة وليس دعوة إلى التجديد الفكري التي يتولاها مفكر أو مثقف أو عالم».
الملاحظة الثانية وفقاً للباحث تكمن في أن «الكلام الذي تفوه به الشيخي ليس جديداً، إذ إن هناك فرقاً بين الكبائر واللمم في الفقه الإسلامي، فالزنا كبيرة من الكبائر عند جميع المذاهب الإسلامية، وبتقرير من القرآن الكريم، بينما القبلة أو العناق أو ما شاكل ذلك؛ فهو من اللمم وليس من الكبائر، والفقهاء اشترطوا في تقرير حالة الزنا أربعة شهداء، وأن يقروا برؤية العملية الجنسية مثل (المرود في المكحلة)، وبهذه الطريقة يصعب التحقق من عملية الزنا، إن لم يكن مستحيلاً، لهذا في تاريخنا الإسلامي لم يقم الحد في حال الزنا إلا على شخصين هما الغامدية، وهي امرأة، وماعز بن مالك، وهو رجل، وحال الزنا هنا ثبتت بالاعتراف الشخصي وليس بالشهود».
*وأكد لشهب، على أن «عبد الرحيم لم يأت بجديد في الموضوع، وإنما الجديد هو طريقة التعبير عن ما سميناه باللمم، وهي صغائر الذنوب باسلوب غير معهود في اللقاءات عند الإسلاميين، وهنا أذكر كتاباً جريئاً في الموضوع للعلامة عبد العزيز بن الصديق بعنوان «ما يجوز ولا يجوز في الحياة الجنسية»، ظل ممنوعاً داخل الحركة الإسلامية، وفي بلدان عربية بالرغم من أن مؤلفه محدث وعالم كبير في العالم الإسلامي».
ويرى لشهب، في تحليله لكلام رئيس «التوحيد والإصلاح، أنه «رسالة غير موجهة إلى الإسلاميين عامة وأعضاء الحركة خاصة، فهي رسالة سياسية أكثر منها علمية أو فكراً تجديدياً، وفاقد الشيء لا يعطيه، لأن السيد عبد الرحيم ليس عالم دين ولا عالم أصول ولا محدثاً ولا مفكراً، حتى يقدم جديداً في موضوع شائك جداً»، أضف إلى هذا يزيد لشهب في قوله، «إن الإسلاميين بشكل عام يفتقدون إلى أدبيات الموضوع، ولا سيما فيما يسمى بالعلاقات الرضائية بين الراشدين، والفقه الإسلامي يفتقد إلى هذا الموضوع، ولذلك يسمى بعض الحالات (زواج المسيار، زواج المتعة، زواج الإمام عند الأتراك)، والعالم الوحيد في العالم الإسلامي الذي كانت له جرأة في الموضوع هو عبد المجيد الزنداني حين تحدث عن (زواج فراند/Friend)، والذي لقي معارضة عند الإسلاميين».

تساؤلات

ويرى لشهب أنه «إذا سلمنا بكلام الشيخي حول المصافحة والقبلة والعناق، هل يقبل بهذا داخل الحركة؟ أكيد لا يقبل، وإلا لماذا طرد عمر بنحماد وفاطمة النجار من الحركة، علماً أنه لم يحصل زنا، حسب تعريفه للزنا في مداخلته وإقراره بصعوبة إثبات الزنا، هل اعترف السيد بنحماد بارتكابه عملية الزنا؟ لا أعتقد ذلك»، مضيفاً أن سؤالاً سياسياً يفرض نفسه، «لماذا لم يطرد محمد يتيم من الحركة الذي كان رفقة امرأة في باريس والصورة منشورة في الإنترنت؟»،
وخلص لشهب، إلى أن كلام الشيخي باختصار، هو «رسالة سياسية موجهة لجهات سياسية، وليس موقفاً فكرياً تجديدياً أبداً، والرسالة لم تكن واضحة لأنها لا ترتكز على تسديد فكري أو تجديد ديني، لأن الرجل ليس عالم دين ولا مفكراً مجدداً، كما أن الإسلاميين يفتقدون إلى أدبيات كثيرة في موضوع الحريات الفردية».

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.