ديدان بدون فم أو أمعاء وطريقة فريدة بالبقاء

عرفت العلاقات التكافلية بين الكائنات الحية منذ قديم الأزل، وهي منفعة متبادلة بين الطفيلي والمضيف تضمن لكليهما البقاء على قيد الحياة.

وفي هذا الإطار قام فريق دولي من الباحثين -بقيادة هارالد جروبرفوديكا وأوليفر جاكل من معهد ماكس بلانك للميكروبيولوجيا البحرية في بريمن- بفك شفرة العلاقة التكافلية الفريدة بين دودة باراكاتينولا (Paracatenula) وبكتيريا ريجيريا (Riegeria) التي تعيش داخلها، وقد نشرت نتائج بحثهم في مجلة “بي ناس” في 8 أبريل/نيسان الجاري.

تتخذ تلك الدودة من قيعان البحار الرملية ذات المناخ المعتدل موئلا لها وتمتاز بأنها لا تمتلك فماً أو أمعاء، ومع ذلك فهي تحظى بطريقة مميزة للتعايش والبقاء على قيد الحياة، مع وجود البكتيريا التي تؤمن لها كافة احتياجاتها.

رحلة 500 مليون عام
تعيش الدودة المسطحة باراكاتينولا في رواسب المناطق الدافئة. ويمكن العثور عليها بجميع أنحاء العالم في الموائل الرملية المحمية، كمروج الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية أو نباتات المانغروف (القرامات).

ويرجع اللون الأبيض لـ باراكاتينولا إلى تعايشها البكتيري، حيث عاشت البكتيريا والديدان في علاقة تكافلية منذ ما يزيد على خمسمئة مليون سنة. خلال هذه السنوات قلص الطفيلي من الجينوم الخاص به، وحافظ في الوقت نفسه على وظائفه الأساسية فقط.

وعلى الرغم من هذا التخفيض، فقد تمكنت تلك البكتيريا من تزويد الدودة المضيفة بكل ما تحتاجه لتتمكن من البقاء على قيد الحياة، حيث تشغل ما يقرب من نصف الكتلة الأحيائية للدودة، وتملأ تجويف الجسم الرئيسي لها.

تمكن الباحثون من حفظ الديدان بأجواء مختبرية ثلاث سنوات حتى يومنا هذا (معهد ماكس بلانك)
وقد قدم معهد ماكس بلانك بيانا صحفيا استعرض من خلاله نتائج هذه الدراسة، وفيها علق هارالد جروبرفوديكا الباحث الرئيس بالدراسة على غرابة علاقة التعايش الجديدة المكتشفة قائلا “لم نر أي شيء من هذا القبيل في أي تعايش آخر، فعلى الرغم من هذا الجينوم المنخفض، يمكن أن تنتج بكتيريا واحدة الكثير من المواد المختلفة وتتيحها لمضيفها”.

وكما تستخدم النباتات الضوء مصدرا للطاقة لإنتاج الكتلة الحيوية، تستغل البكتيريا الطاقة الكيميائية في عملية “التخليق الكيميائي” وتقوم فيها بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مركبات عضوية باستخدام الطاقة من كبريتيد الهيدروجين، وهو مركب شائع في الرواسب، وبذلك تؤمن الدهون والبروتينات، وربما أيضا السكريات والأحماض الدهنية والفيتامينات.

في تعايش
في جميع علاقات التعايش الكيميائي المعروفة حتى الآن، يهضم المضيف الخلايا البكتيرية للحصول على العناصر الغذائية اللازمة لضمان استمراريته على قيد الحياة، إلا أن العلاقة التكافلية بين دودة باراكاتينولا وبكتيريا ريجيريا تختلف عن غيرها.

فقد توصل فريق الباحثين -عند استخدام المجهر الإلكتروني- إلى أن بكتيريا ريجيريا تزود الدودة بالعديد من الحويصلات الصغيرة التي تشبه القطيرات، وقد شبهها العلماء بحديقة الفواكه، حيث تؤتي البكتيريا ثمارها بشكل مستمر ومن ثم تقوم الدودة بجني تلك الثمار.

وقد أظهرت نتائج الصور المجهرية أن دودة باراكاتينولا لا تمتلك أي وسيلة للإفراز، ولكن على ما يبدو فإنه ليس لديها قمامة خلوية. وتستخدم الدودة كل ما توفره البكتيريا بشكل أو بآخر.

علاوة على ذلك، فقد أظهرت نتائج الدراسة أن هذه الديدان تتكاثر بشكل غير طبيعي عن طريق تقسيم أجسادها، وهكذا يزداد عدد الديدان انطلاقا من تلك القطع الهيكلية الصغيرة.

وجمعت هذه الدراسة ما بين الجينوميات والتحقيقات الميكروكيميائية الحيوية والإلكترونية، وكذلك التجارب الفسيولوجية التي سمحت للفريق بالبحث في علاقة التعايش تلك من وجهات نظر مختلفة، وقد تمكن الباحثون من حفظ الديدان في أجواء مختبرية لمدة تصل إلى ثلاث سنوات حتى يومنا هذا.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".