دون سجن أو اعتقال.. كيف تنتهي الحياة السياسية للمعارض المصري؟

عملية مبيّتة لإنهاء دوري كمعارض سياسي.. بعد ذبحي يتم التمثيل بجثتي”، هكذا وصف عضو مجلس النواب المصري، عبدالعليم داود، الإجراءات التي صدرت ضده مؤخرا من قبل البرلمان وحزب الوفد الذي ينتمي إليه، والتي ربما تقود إلى نهاية حياته السياسية.

داود ليس نموذجا وحيدا للمعارض الذي يتلقى سهام التصفية السياسية من قبل السلطة الحاكمة، حيث سبقته صفوف طويلة من المعارضين الذين تم استهدافهم بطرق عدة خصوصا منذ الانقلاب العسكري الذي حدث في 3 يوليو/تموز 2013.

الطريقة الأشهر لاستهداف المعارضة في مصر هي الاعتقال، حيث تتحدث تقارير حقوقية عن وجود أكثر من 60 ألف معتقل سياسي داخل السجون المصرية، بينهم من تولوا مناصب وزارية ومسؤوليات حكومية خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي التي لم تدم إلا عاما واحدا وانتهت بالانقلاب الذي قاده وزير دفاعه آنذاك عبدالفتاح السيسي الذي تولى السلطة لاحقا.

غير أن ثمة طرقا أخرى تستخدمها السلطة في إنهاء الحياة السياسية للمعارضة ليصبح المشهد المصري خاليا إلا من الأصوات المؤيدة لكل ما يصدر عن النظام الحاكم.

حلقة انتقام
في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، وخلال إحدى جلسات البرلمان، اتهم رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الأعرق في مصر “الوفد”، عبدالعليم داود، نواب حزب مستقبل وطن أصحاب الأغلبية البرلمانية بالفوز في الانتخابات من خلال الرشاوى ووصفهم بـ”نواب الكراتين”، في إشارة إلى توزيعهم منتجات غذائية داخل علب كرتونية على الناخبين.

على إثر ذلك، تم طرده من الجلسة البرلمانية وأحيل إلى لجنة القيم للتحقيق معه بتهمة الإساة لنواب، مع عدم السماح له بحضور الجلسات لحين انتهاء التحقيق.

بعد ذلك بأيام وجد داود نفسه ضمن قائمة تضم 10 أشخاص، أعلن رئيس حزب الوفد بهاء الدين أبو شقة فصلهم من الحزب، مبررا ذلك بجملة مبهمة هي “حماية الكيان الحزبي والدفاع عن مصالحه”.

وعلى ذلك أصبح الرجل الذي يصف نفسه بالنائب الوطني المعارض أمام مصير مجهول، ففصله من الحزب يعني انتفاء الصفة التي خاض بها الانتخابات البرلمانية، حيث تشترط المادة 6 من لائحة البرلمان لاستمرار العضوية بمجلس النواب، أن يظل العضو محتفظا بالصفة التي انتخب على أساسها، فإن فقدها أو غيّر انتماءه الحزبى المنتخب على أساسه أو أصبح مستقلا، أو صار المستقل حزبيا تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

وحددت المادة 110 من الدستور حالات إسقاط العضوية، ونصت على أنه لا يجوز إسقاط عضوية أحد الأعضاء إلا إذا فقد الثقة والاعتبار، أو فقد أحد شروط العضوية التي انتخب على أساسها، أو أخلّ بواجباتها، ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية من مجلس النواب بأغلبية ثُلثي أعضائه.

وعلق النائب البرلماني -في تصريح صحفي- على الإجراءات التي صدرت ضده، واصفا إياها بحلقة من حلقات الانتقام منه كمعارض سياسي، مؤكدا أن فصله من الوفد ليس له سند لائحي خاصة أن القرار صدر دون الرجوع للهيئة العليا للوفد، في حين أنه ينتظر ما سيقرره البرلمان بشأن عضويته.

وقفة احتجاجية سابقة أمام نقابة الصحفيين بمصر (الجزيرة-أرشيف)
تصفية حسابات
سجلت محاضر جلسات الدورة البرلمانية السابقة العديد من المواقف المعارضة لسياسات النظام من جانب عضو مجلس النواب السابق، هيثم الحريري، وكان أبرزها رفض اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ويبدو أن ذلك كان كفيلا ليصبح وجها غير مريح داخل البرلمان الجديد.

لم ينجح الحريري في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ووقت إعلان النتائج علت أصوات تتهم النظام بالمسؤولية عن سقوط السياسي المعارض.

ولم تقف الأمور عند حدود حرمانه من عضوية البرلمان، ففور انتهاء العملية الانتخابية سيق الحريري إلى جهات التحقيق بِتُهَم تتعلق بخرق الصمت الانتخابي وتقديم رشاوى للناخبين.

واعتبر السياسي المعارض ما يتعرض له مما وصفه بـ”تلفيق قضايا” بمثابة تصفية حسابات سياسية بعد خروجه من مجلس النواب.

وأضاف -في تصريح صحفي- “أتمنى ألا يكون هناك فجر في الخصومة وأن يخيب ظني، بعد نزع الحصانة عني، كنت أقوم بواجبي وحقي في ظل الحصانة وعبرت عن قطاع واسع من الشعب”.

البحث عن فضيحة
الفضائح الجنسية أسلوب معمول به لدى بعض الأنظمة الحاكمة المستبدة في انتقامها من المعارضين السياسيين ولم يتعفف النظام المصري عن استخدام هذا الأسلوب.

في فبراير/شباط 2019، تم تسريب مقاطع فيديو نسبت للمخرج والبرلماني السابق، خالد يوسف، مع ممثلتين شابتين في أوضاع مخلة.

دافع يوسف عن نفسه واعتبر الفيديوهات المنسوبة إليه بمثابة عقاب له، بعدما أعلن رفضه التعديلات الدستورية التي تهدف إلى تمديد حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي حتى عام 2030.

وكانت النهاية أن المخرج السينمائي غادر مصر مع أسرته متجها إلى باريس، ليختفي عن المشهد السياسي.

الأسلوب نفسه تم استخدامه مع المذيع التلفزيوني، يوسف الحسيني، حيث تم تسريب تسجيل جنسي له، عقب إعلانه رفض اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، في أبريل/نيسان 2016، رغم أنه كان من مشاهير الإعلاميين التابعين للسلطة والمؤيدين لها.

بعدها ابتعد الحسيني أو تم إبعاده عن الأضواء الإعلامية لفترة من الوقت، ثم عاد ببرنامج إذاعي تلاه العودة إلى شاشة التلفزيون، إلى أن أعلن ترشحه للانتخابات البرلمانية وفاز عن القائمة الوطنية، وكان طبيعيا أن يخفت تماما صوت الحسيني المعارض لاتفاقية ترسيم الحدود أو أي تصرف آخر للسلطة.

الإحباط والتشهير
يمتد السؤال عن كيفية انتهاء الحياة السياسية للمعارض في مصر إلى ماهية الحياة السياسية نفسها بالبلاد، في ظل نظام حكم عسكري لا يسمح بأي هامش للحرية.

لا توجد حياة سياسية الآن في مصر من وجهة نظر عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي، باسم كامل، لذلك فالانزواء هو ما اختاره لنفسه كمعارض سياسي.

وأضاف -في تصريح صحفي- “لو أنت عايز (تريد أن) تعرف أنا فين (أين أنا) من الحياة السياسية، فالسؤال الأهم: هي فين (أين هي) الحياة السياسية؟ مافيش (لا) حياة سياسية. فيه هامش محدود جدا جدا جدا للممارسة السياسية أو الممارسة الحزبية. في ضوء ده بقى (هذا) أنا موجود”.

رغم الانزواء لم يفقد كامل الأمل بشكل كلي، فنظرته لطريقة التغيير في بلده تغيرت “التغيير اللي بنطمح (الذي نطمح) إليه مش هيحصل (لن يحصل) بطريقة ثورة يناير.. التغيير لازم ييجي (يأتي) بالعمل التراكمي المنظم الدؤوب طويل المدى”.

إلى ذلك، استخدم النظام طريقة التشهير والتشويه تجاه عدد من النشطاء السياسيين، ما جعلهم يركنون إلى الانزواء التام بعيدا عن تجربة تداعيات الاستمرار في طريق المعارضة، من هؤلاء كانت الناشطة وأحد مؤسسي حركة 6 أبريل، أسماء محفوظ.

تعرضت أسماء مع عدد من النشطاء إلى حملات تشويه وتشهير، سواء بترويج شائعات تخص تلقيها أموالا من جهات أجنبية أو اقتطاع محادثات هاتفية مع أصدقاء، في محاولة لترويج معلومات مغلوطة حول من شاركوا في ثورة 25 يناير.

نجحت تلك الطريقة مع فتاة يناير لتختفي عن أنظار المشهد السياسي وتخصص كل وقتها لأسرتها الصغيرة.

الارتحال السياسي
ممارسات النظام دفعت كثيرا من المعارضين السياسيين إلى مغادرة مصر بطريقة تشبه النفي الذي كانت تمارسه القوى الاستعمارية قديما، لإبعاد الرموز الوطنية عن الساحة السياسية الداخلية.

تحت عنوان: الارتحال السياسي في مصر: “لو مش عاجبك، روح ..” قدم مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط دراسة حول إقدام المعارضين المصريين على الابتعاد عن وطنهم، والتي أعدتها الباحثة بالمركز ميشيل دنّ بالتعاون مع الأكاديمي والناشط المصري عمرو حمزاوي.

وفقا للدراسة شهدت مصر 3 موجات متداخلة من الارتحال منذ عام 2011، حيث غادرت أعداد صغيرة من رجال الأعمال الموالين لمبارك وأعداد أكبر من المسيحيين، ثم بدأت في الارتحال أعداد كبيرة من المنتمين لتيار الإسلام السياسي منذ منتصف عام 2013، وبعدها هاجرت أعداد أقل من العلمانيين مع تصاعد حملة القمع ضدهم بدءا من عام 2014.

البيانات المتوفرة، وبعضها بيانات للحكومة المصرية، حسب ما ورد في الدراسة، تدلل على أن آلاف المصريين الناشطين وذوي الكفاءات العلمية العالية يعيشون في المنافي “لكن الحكومة المصرية، من جهتها، تسعى إلى التعتيم على واقع أن عددا كبيرا نسبيا من مواطني البلاد يسجل رفضه للأوضاع السياسية والاجتماعية عبر الارتحال”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.