دقائقُ من التأمّل في قوله تعالى

﴿وَتِلكَ عادٌ جَحَدوا بِآياتِ رَبِّهِم وَعَصَوا رُسُلَهُ وَاتَّبَعوا أَمرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ﴾ [هود: ٥٩]

جاءت هذه الآيةُ الكريمةُ في ختام الحديث عن دعوةِ هودٍ عليه السلام قومَه إلى الإسلام ونبذ الشرك وموقفهم منه ومن دعوته، ولكنَّك إذا نظرتَ في الآية فإنك قد تستشكل فهمَ قوله تعالى: (وعَصَوْا رُسُلَه)!

فالرُّسُلُ جمعُ رسولٍ، فكيف يكون قومُ عادٍ مكذّبين للرُّسُلِ جميعاً وهم لم يكذّبوا إلَّا رسولاً واحداً وهو هود عليه السلام؟!

وهذه الآيةُ لها نظيرٌ في سورة الشعراء وهي قوله تعالى: ﴿كَذَّبَت عادٌ المُرسَلينَ﴾ [الشعراء: ١٢٣] فكيف نفهم جمع الكلمة في سياق الحديث عن رسولٍ واحدٍ؟!

إذا علمنا أنَّ الدينَ عند الله الإسلام، وأنَّه دينُ كلِّ الأنبياء والرُّسُل كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى) أي أنهم إخوةٌ لأبٍ واحد من أمهات مختلفةٍ، بمعنى أنهم متفقون في أصل الدين وهو الإسلام، إلَّا أنَّ شرائعهم الفرعية مختلفةٌ بما يناسب أزمانهم.

فالإسلامُ دينُ جميع الرسل، والمؤمنُ برسالةِ رسولِه في زمنه يُعتبر مؤمناً بجميع رُسل الله الذين سبقوا رسولَه والذين لم يأتوا بعد، وفي المقابل فإنَّ من كفر برسالةِ رسوله في زمنه فإنَّه يُعتبرُ كافراً بجميع رُسُلِ الله سابِقهم ولاحقهم مع أنه لم يدركهم ولم يرَهم!

فموضوعُ دعوة الإنبياءِ واحد:﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ ..﴾ [النحل: ٣٦] وعليه فإنَّ الذي يجحدُ دعوة نبيٍّ واحد فهو جاحد لكل دعوات الأنبياء..

فعلى سبيل المثال: من كذّب إبراهيم عليه السلام في دعوته، فهو في المحصّلةِ مكذبٌ لدعوة نوح عليه السلام من قبل، ودعوة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم من بعد!
ويقالُ هذا في جميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره: وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء؛ لأنه لا فرق بين أحدٍ منهم في وجوب الإيمان به، فعادٌ كفروا بهود، فنزل كفرُهم به منزلةَ من كفر بجميع الرسل.اهـ

لذلك فإنَّ الإيمانَ بالرُّسل جميعاً ركنٌ من أركان الإيمانِ عندنا، كما في قوله تعالى: ﴿.. وَلكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتابِ وَالنَّبِيّينَ ..﴾ [البقرة: ١٧٧] وكما في قول النبي صلَّى الله عليه وسلم:
الإيمانُ أنْ تُؤمنَ باللَّه، وملائِكته، وكُتُبهِ، ورُسُلهِ، واليومِ الآخرِ، وتُؤمنَ بالقدرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ.

والذي يجحد نبوةَ نبيٍّ واحدٍ فإنه كافرٌ وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم، فما بالكم بغير المسلم الذي يجحد نبوة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ونبوة غيره من الأنبياء.. أيقال عن هؤلاء إنهم مؤمنون ناجون يوم القيامة؟!..

يقولُ الله تعالى:

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا آمِنوا بِاللَّهِ وَرَسولِهِ وَالكِتابِ الَّذي نَزَّلَ عَلى رَسولِهِ وَالكِتابِ الَّذي أَنزَلَ مِن قَبلُ وَمَن يَكفُر بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا بَعيدًا﴾ [النساء: ١٣٦]

(عدنان طلافحة)

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".