دار المقامة

بقلم خالد حمدي 

قرأ الإمام في صلاة الفجر قوله تعالى:

“الذي أحلنا دار المُقامة من فضله” فهيج في القلب ما هيج…

فلو لم يكن في الجنة إلا دوام الإقامة وتوقف الترحال لكفى..

فقد أتعبنا والله كثرة فراق من نحب… وطول بعاد من تهفو قلوبنا لمرآهم..

أتعبتنا لوعات الاغتراب… وأنات القلوب لفراق الأحباب..

دار المقامة…حيث الشبع من مجالس الكرماء ومسامرة الأخلاء..

دار المقامة…حيث لا ينغص السعادة خوف موت أو خشية فوت.

دار المقامة…حيث لا ينتهي عقد الإيجار… ولا يقطع على المحبين كثرة الأسفار..

ودعت يوما أخا حبيبا منذ سنوات على الهاتف قبل أن يدخل الطائرة ثم بكيت…وقلت في نفسي:

رب لا تحرمنا الجنة فتجمع علينا ألم الفراقيْن… فراق هنا وفراق هناك..

ورضي الله عن عمر..لما ذهب ليفتح بيت المقدس طال عناقه لأبي عبيدة حتى لكأن فرحته بلقيا من يحب لا تقل عن فرحته بمفاتيح بيت المقدس!!

ما اوجع قلوب المتحابين في الله وقد تفرق أحبابهم في كل واد..

فالقبور أخذت حظها من أحبتهم…والأسفار كذلك…والدنيا بمشاغلها أتت على البقية…حتى أصبح بعضنا يخرج من الدنيا ولم يرو ربع ظمئه ممن أحب.

كنت قديما أتعجب من شوق عمر لأبي بكر ومعاذ وأبي عبيدة من العشاء إلى الفجر حتى كان يقول لأحدهم في صلاة الفجر:

ما أطول الليلة يا فلان…لقد بت أتقلب الليلة في فراشي فلم أنم شوقا إليك!!

كنت أتعجب من هذه الأشواق…حتى اكتوى قلبي بتفرق الأحبة في الآفاق… فعلمت كم يُعمِل الشوق عمله في الأعماق.

واشوقاه إليك يا دار المقامة..فلن يطبب أوجاع المتحابين في الله إلا أنت..

وحتى يدخلنا الله إياكِ -نسأل الله ذلك- سنظل نسكن أوجاع أشواقنا بالدعوات والدمعات حتى تجمعنا الجلسات والتكؤات والضحكات على أرائك الجنة…

هناك في دار المقامة… حيث لا وجع ولا سآمة.

شاهد أيضاً

غزة تنزف….

غزة اليوم هي عضو الأمة الأشدّ نزيفا من بين كثير من الأعضاء التي لا تزال تنزف من جسد المسلمين، ومخايل الخطر تلوح في الأفق على المسجد الأقصى، الذي يخطط المجرمون لهدمه، أو تغيير هويته وتدنيسه، ولا يمنعهم من ذلك إلا الخوف من بقايا الوعي والإيمان في هذه الأمة أن تُسبب لهم ما ليس في الحسبان.