خطبة عرفات… وما زال الحجّ مختطفًا

بقلم محمد خير موسى

من جديد يقف خطيب عرفة في أكبر مؤتمرٍ إنسانيّ ودينيّ على مستوى البشريّة كلّها، مخاطبًا أكثر من ثلاثة ملايين حاج ومن ورائهم العالم كلّه الذي يرقب ويتابع عن كثبٍ هذا الحدث المهيب ليثبت لنا بأنّ الحجّ ما زال مختطفًا.

فعندما تغيبّ القدس وأقصاها غيابًا تامًا،وتُنسى غزّة ومحاصروها، ولا تُذكَرسوريّة وشهداؤها ومعتقلوها ومهجّروها، ولا اليمن ومجازره، ولا العراق ومآسيه، ولا مصر ومشانق الأحرار فيها، ولا بورما والهائمون على وجوههم بحثًا عن لحظة أمن؛ ولا تجدّ كلّ جراح المسلمين وآلامهم وقضاياهم ولو حرفًا واحدًا في خطبة عرفات التي يفترض أنّها تناقش هموم المسلمين وقضايا الإنسان؛ فهذا يعني بأنّ الحجّ ما زال مختطفًا.

وعندما يتنقّل خطيب عرفة بين موضوعات عامة فيفتتحُ بتقوى الله ثمّ التوحيد ثمّ بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ أهميّة أركان الإسلام مبتدئًا بالشّهادتين مثنيًّا بالصّلاة مثلّثًا بالزّكاة ثمّ بالصّيام ومختتمًا بالحجّ، ثمّ يتحدّث عن الاتّباع وأهميّته، لينتقل بعد ذلك للحديث عن أخلاق النبيّ صلّى الله عليّه وسلّم، ومكانة الأخلاق، وبعدها عن الأخلاق في خطبة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، ثم يتحدّث عن الوفاء بالعقود والعهود، وبرّ الوالدين وحسن العشرة بين الزّوجين، ومكانة الصدقة والإنفاق، والتّرغيب في التّوبة، ثمّ عن مباهاة الله تعالى بأهل عرفة؛ رابطًا كلّ هذه الموضوعات بالأخلاق التي كانت محور الخطبة كلّها، ولكن كلّ ذلك دون أيّ إسقاط على الواقع أو حديث عن ارتباط هذه المفاهيم بالأمّة الإسلاميّة المذبوحة؛ أو بيان شيء من معالجات الجراح والكوارث السياسية والفكرية والاجتماعية التي يغرق فيها المسلمون؛ فهذا يعني أنّ الحجّ ما زال مختطفًا.

وعندما يتحدّث خطيب عرفة عن التآخي بين المسلمين وكفّ الظلم عنهم، ولكنّه لا يحدّثنا بحرف واحد عن المظلومين الذين تراق دماؤهم وتدمّر بيوتهم وتنتهك أعراضهم في أمّتنا، وعن مقتضيات التآخي تجاههم، ولا يفطن إلى المسجد الأقصى شقيق المسجدين الحرام والنّبوي وهو في الأسر الصهيونيّ يعاني الظلم والتّدنيس، ولا يخطر له أن يبيّن مقتضى التآخي الإسلاميّ والإنسانيّ تجاهه؛ فهذا يعني أنّ الحجّ ما زال مختطفًا

وعندما يتحدّث عن وجوب العدل بين الخلق دون أن يشير ولو تلميحًا إلى المعتقلين ظلما وعدوانًا بلا محاكمة عادلة في سجون الطغاة على امتداد الأمّةكلّها؛ فهذا يعني أنّ الحجّ ما زال مختطفًا

وعندما يفصّل الحديث – على خلاف القضايا الأخرى التي أجملها إجمالًا سريعًا – في أنّ من الأخلاق طاعة ولاة الأمور من أجل حفظ النّظام العام، وهي بذلك تكون خير أمّة أخرجت للنّاس؛ فهذا يعني أنّ الحجّ ما زال مختطفًا

وعندما يأمر الخطيب المسلمين بعدم نسيان من أحسن إليهم من الدعاء، ويقول بأنّ في طليعة من أحسن للمسلمين خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، ثمّ يسترسل بالدّعاء لهما باسميهما؛ ولا يدعو بحرف واحد لقضيّة من قضايا المسلمين وبلادهم المكلومة وشعوبهم النّازفة؛ فهذا يعني أنّ الحجّ ما زال مختطفًا.

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،