حكاية عائلة الزبيدي بتضحياتها وأحلامها تجسد مسيرة الصراع على فلسطين مع الصهيونية

وديع عواودة

يستدل من ردود الفعل والتفاعلات الواسعة حول قضية فرار الأسرى الستة من سجن “الجلبوع” الحصين أن الأغلبية العظمى من الإسرائيليين ترى بهم وبكل الأسرى “إرهابيين” وتجهل عمدا أو جهلا خلفية اعتقالهم وصلتهم بالصراع الكبير منذ بدايته مع انطلاق المشروع الصهيوني وأطماعه في فلسطين في نهايات القرن التاسع عشر.

كما يستدل أن هناك أوساطا فلسطينية أيضا خاصة من الأجيال الناشئة غير مطلعة كفاية على بدايات وجوهر المواجهة المفتوحة الدامية وعلى هذه الخلفيات التاريخية التي من دونها لا يمكن فهم طبيعة الصراع الدائر ومن المرجح جدا أن تلحق بالتالي ضررا بفهم موضوع الأسرى وقضية الصراع الدائر بما يصب الماء على طاحونة الدعاية الإسرائيلية الرامية لاحتلال وعي الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب والعالم طارحة الجانب المحتل كضحية.

تنطوي قصة عائلة زكريا زبيدي في مسيرتها وتهجيرها من منطقة الخضيرة في الساحل الفلسطيني في نكبة 1948 إلى مخيم جنين وهدم منزلها واستشهاد أبنائها وأسر آخرين منهم على ما يكفي لتقديم صورة مصغرة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وبواعثه وإطاره السليم ونتائجه ودوافع استمراريته.

الجد لم يعد من الحرب العالمية الأولى
يروي جمال عبد الرحمن محمد زبيدي أبو أنطون (65 عاما) عم زكريا زبيدي المولود في مخيم جنين لـ”لقدس العربي” بعض محطات العائلة موضحا أنه ولد في مخيم جنين عام 1956 وما زال يقيم فيه عاطلا عن العمل وإن والده ولد في قرية وادي الحوارث قرب الساحل الفلسطيني داخل أراضي 48 عام 1940 وإنه كان وحيدا وعمل في البيارات ثم عمل في مصنع تكرير النفط الريفاينري في حيفا.

ويتابع جمال زبيدي في استعادة البدايات بالقول “وفق رواية والدي فقد قاتل جدي محمد في الحرب العالمية الأولى في صفوف الجيش العثماني ولم يعد من الحرب فنشأ يتيما وعمل عاملا بسيطا كمزارع في بيارات لعائلة إقطاعية من لبنان استولت تاريخيا على أراضي القرية والمنطقة ولاحقا باعت قسما منها للوكالة اليهودية”.

إصابة وأسر اعتقال الجد زبيدي
وكان جد زكريا زبيدي، عبد الرحمن زبيدي، كما ينقل جمال عن والده قد أصيب في قدمه خلال مشاركته في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936/39 واعتقل حتى تم الإفراج عنه بعد مهاجمة سجن عتليت من قبل قائد منطقة الروحة والكرمل ومرج ابن عامر في الثورة أبو العبد جرادات المكنى بأبو درة في يوليو/تموز 1938.

جمال زبيدي عم زكريا: تقول إسرائيل إن أيدينا ملطخة بدمائهم فهل أيديهم مزدانة بالحناء؟

ولجانب أبو درة كان الأسير عيسى الحاج سليمان البطاط من الخليل أحد أبرز قادة “ثورة القسام” عام 1936 وبطل عملية مهاجمة سجن عتليت استشهد عام 1938 ولاحقا استشهد المناضل الأسير نجله محمد البطاط خلال عملية التمرد والهروب الكبير من سجن شطة في 1958 وفي هذه العملية تمكن جد زكريا زبيدي محمد جهجاه من الفرار سوية مع نحو 60 أسيرا نجحوا بالخلاص وفروا عبر جبل فقوعة المحاذي للسجن داخل مرج بيسان ضمن مرج ابن عامر نحو جنين.

الجدة عائشة من جسر الزرقاء
ويستذكر جمال زبيدي أن والده تزوج من والدته عائشة خميس نجار من جسر الزرقاء عام 1940. وتابع “قطنت كل حمولتنا في منطقة وادي الحوارث وولد شقيقي الأكبر المرحوم دعاس وهو من مواليد عام 1942 وبالمجمل أنجب والدي 12 نفرا: دعاس، عليا استشهد ولدها زياد عامر مع كتائب شهداء الأقصى عام 2002 خلال الدفاع عن مخيم جنين، خضرة المقيمة في مخيم البقعة، محمد والد زكريا وتوفي عام 1993 مريضا بالسرطان عن عمر 40 سنة، أسعد الذي مات طفلا، حمدة، إبراهيم توفي في الأردن والبنت الصغرى أحلام وتوفيت في يعبد. ويضاف لهم جمال زبيدي نفسه الذي يوضح أن الله توفاهم عدا عليا وخضراء ونصرة مقيمة في قرية برقين قضاء جنين ونفذ ابنها نضال إبراهيم مصطفى أبو شادوف عملية استشهادية في سكة الحديد في بنيامينا عام 2001، وفايزة موجودة في الأردن.

أسرة زكريا زبيدي
وينوه أن شقيقه الراحل محمد زبيدي أنجب ستة أبناء وهم عبد الرحمن، زكريا، طه الشهيد عام 2002، يحيى، كوثر، عدن وجبريل. أما والدة زكريا فهي سميرة محمد جهجاه ويقول إن محمد جهجاه (أبو سمير) هو اسم الجد لكن العائلة زبيدي ويضيف “نحن أبناء عمومة ومحمد جهجاه جد زكريا هو أسير فر من سجن شطة في عملية الهروب الكبير في تموز عام 1958″.

ويشير جمال زبيدي أن حمولة زبيدي كبيرة تنتمي لعدة أجداد تفرقوا بين طولكرم وجنين قبل وبعد النكبة ولديهم أقرباء داخل أراضي 48 منهم في قرية عرب الزبيدات بجوار طبعون شرقي حيفا وفي مدينة سخنين وكافتنا ننتمي لجذر واحد. وردا على سؤال يتابع “نعم هناك توافق على أننا أقرباء وبعد 1967 كنا نلتقي لكن العلاقة لم تدم بسبب طريقهم في عرب الزبيدات بجوار طبعون المختلف وخدمة عدد من أبنائهم في الجيش الإسرائيلي”. كما يشير جمال زبيدي أن عائلة والدة زكريا سميرة جهجاه قد خرج أبناؤها للأردن عام 1963 وأقاموا في وادي اليابس أو وادي الريان في الغور وفي إربد لكنه هو وعائلته بقوا هنا في المخيم “بعدما بقي والدي هنا كي نقارع الإسرائيليين”.

وبسؤال عن الحاضر هل هذا الصراع ممكن تسويته؟

“هذا صراع وجود حسب ما تعلمنا وخبرنا إما نحن وإما هم وانظر لما تفعله إسرائيل منذ عقود تستنتج أن السلام مفقود”.

تفسيرك للتضحيات الكبيرة لأبناء عائلة زبيدي؟

“نحن لاجئون وعشنا حياة الاقتلاع والفقر والذل والعذاب وعشنا في المخيمات فكانت فكرة المقاومة رد فعل طبيعيا”.

وتهمة “الإرهاب” الإسرائيلية لزكريا زبيدي وليديه الملطختين بدماء الإسرائيليين عندما تسمعها ماذا يخطر ببالك؟

“أيدي زكريا ملطخة بدم الإسرائيليين وهم على أياديهم حناء؟ كيف يقدرون على نسيان عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين ممن قتلتهم النيران الإسرائيلية وفي غزة وحدها قتل في شر حرب “الرصاص المصبوب” وحدها عام 2008 نحو 1500 طفل وسيدة كما جاء في التقرير الأممي “ريتشارد غولديستون” وفي شهادات الجنود لصحيفة “هآرتس” وتقارير “بتسيلم” وغيرها من المنظمات الحقوقية الإسرائيلية. من جاء عند من؟ قدموا علينا وهجرونا قبل وخلال النكبة مرتين ثم جاءوا علينا في المخيم عام 2002″، منوها أن والد زكريا قد اعتقل في 1968 وبقي في سجن جنين لمدة عام وفي عام 1985 خضع لعملية جراحية في مستشفى هداسا ورفض الاحتلال منحه تصريحا بالعودة للمراجعة رغم مرضه بالسرطان فاعتقل مجددا مرتين خلال الانتفاضة الأولى: 1987/8. ويضيف “أنا اعتقلت ثماني مرات وما مجمله نحو أربع سنوات وكان آخر اعتقال عام 2011 بتهمة الانتماء للجبهة الشعبية”.

الحق بالحرية
ويؤكد جمال زبيدي أن ما حصل هو حق لكل سجين أن يفكر بالفرار فهذا مشروع دوليا فالقانون الدولي يكفل البحث عن الحرية في واقع الاحتلال وانتهز فرصة. أما قصة إلقاء القبض على الأسرى الستة فهي “قصة طويلة” وللأسف نحن كشعب فلسطين نقسو على بعضنا: زكريا ورفاقه لم يتلقوا أي مساعدة وحماية ولا حضانة وكل من شاهدهم في أراضي 48 كان يتصل بالشرطة ويبلغ عنهم. أنتم جزء منا وينبغي أن نشكل حماية لبعضنا البعض. لا ألومك فهناك في عرب الداخل ناس أشرف من الشرف لكن هناك آلاف الجنود من البدو والدروز في الجيش. عندما ذهبت لمحكمة ابني في المحكمة الإسرائيلية وجدت الحراس على البوابة والمرافقين لهم والقاضي والمدعي العام والمترجم بدوي أو درزي وكأننا نحاكم بعضنا البعض. وهكذا محكمة زكريا في الناصرة ورفاقه هذا الأسبوع إن دققت في وجوه الحراس تجد كثيرين منهم بدوا ودروزا.

ولكن الحامض والحلو موجود لدى كل شعب حتى أن هناك يهودا تعاونوا مع النازية والأهم أنك تقع في التعميم؟

“أنا لا أنكر الدور الوطني لمعظم فلسطينيي الداخل ولكن ليس صحيحا أن إسرائيل لم تؤثر في وعي عرب فلسطين من 1948 لليوم. هناك تأثير كبير ونحن لا نعمل كي نعيش فقط بل نخدم في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وهؤلاء موجودون في كل بلد. المعنى أن كل مناضل يريد أن يأتي على كفركنا بلدك حتى لو كان يريد اللقاء بك فلن يكون أمينا”.

الرواية الإسرائيلية لئيمة وربما كيدية؟

“لا أعمم وأعرف مناضلين شرفاء عندكم ولنا علاقات واسعة معكم. هذا لا ينفي الحقيقة أن الوضع العام غير مستقيم. المشاركة في الانتخابات وتحت العلم الإسرائيلي وهناك خلافات بين الأحزاب العربية والانفصال داخل المشتركة ووجود تيار إسلامي وغيرها”.

وهل لدى عائلة زبيدي اليوم شعور بالمرارة والزعل تجاه فلسطينيي الداخل؟

“أكيد نحن نحكم بالعشم. كنا نعتقد أن يلقى زكريا ورفاقه حماية وحاضنة عند الإخوة في الداخل”.

ماذا مع دور التنظيمات؟

“أنت تعلم وضع التنظيمات الفلسطينية كلها اليوم”.

وزكريا الزبيدي من مواليد مخيم جنين عام 1976، نجا من أربع محاولات اغتيال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل عام 2019، وتوفي والده وهو صبي، واستشهدت والدته سميرة الزبيدي في 3 آذار/مارس 2002 برصاص قوات الاحتلال، خلال عدوان “السور الواقي” عندما كانت تقف قرب نافذة أحد المنازل، وبعدها بأيام استُشهد شقيقه طه، وهُدم منزل عائلته ثلاث مرات.

ويشير جبريل الزبيدي شقيق زكريا لدور أمه الشهيدة في نقل الرواية والتربية الوطنية: “كانت تحدثنا عن حادثة هروب جدي والدها محمد جهجاه، من سجن شطة. وصل جدي إلى مخيم جنين وقتها، وبعدها تسلل إلى الحدود الأردنية، وأقام في مخيم الحصن، ثم هاجر إلى ألمانيا وهناك جرى اغتياله من قبل الموساد الإسرائيلي”. كذلك اعتقل الكثير من أبناء العائلة لفترات متفاوتة لكن زكريا زبيدي بقي الوجه الأبرز لعائلة زبيدي كونه قد قاد “كتائب شهداء الأقصى” في شمال الضفة الغربية وشارك في معارك كثيرة وسجن عدة مرات.

استقبلنا الجيش بالألعاب النارية
وتضمن كتاب “عنقاء الرماد من جنين” لكاتب هذه السطور ما قاله زكريا وقتها وهو ابن 25 سنة في 21.04.2002 قبالة بيت مهدوم في حي جورة الذهب في المخيم: “عندما تيقنا أن الجيش وصل حرش السعادة وأخذ يزحف نحو المخيم عند ساعات الفجر في اليوم الأول 03.04.2002 استقبلناهم بالألعاب النارية لهز معنوياتهم ثم قام المقاتلون كل في مجموعته بالقسم على الشهادة والاتفاق أن كل واحد منا هو مسؤول وقائد نفسه. ورغم آلياتهم المجنزرة – نحو مائتي دبابة ومجنزرة وطائرة استطلاع- فشلوا في دخول المخيم. حاولوا دخوله من الجهة الغربية- حيث المنطقة الجبلية “الجبريات” لكنهم سرعان ما ارتدوا وعادوا أدراجهم بفعل نيران المقاتلين منا. وبعد ذلك شرعوا بالهجوم من جهة شارع السكة- الجهة الشمالية فدارت معارك شرسة من بيت إلى آخر بل من غرفة إلى غرفة فاضطروا للانسحاب مع عدد كبير من القتلى والجرحى. طيلة اليومين الأول والثاني لم يصب أحد من مقاتلينا. أمام ذلك سمعنا أن قائد الجيش شاؤول موفاز عين نائبه قائدا للفيلق الغازي بدلا من القائد الأول وحتى هذا فشل في الاقتحام وعندها صعدوا إلى حي الدمج (سمي هذا الحي باسم عائلة الدمج التي تسكنه وهي من قرية المنسي المدمرة قضاء حيفا) حيث كان مسرح القتال الحقيقي فقتل منهم ثمانية جنود في الساعات الأولى وفقدوا السيطرة على كل شيء ورفض قائد الحملة مواصلة الهجوم حتى جاء موفاز بنفسه فبدأت طائرات الأباتشي والكوبرا تمطرنا بالصواريخ كي تمهد للاجتياح وعندها توقفنا عن الخروج للشوارع ومكثنا داخل بيوت حي الحواشين نحو 200 مقاتل بعد أن أفرغناه من ساكنيه ثم بدأنا بنصب الكمائن للجنود وكان أشهرها ذاك الكمين الذي استدرجوا فيه للتعمق داخل المخيم حتى خرج عليهم المقاتلون وحاصروهم بين بيتين وفتحنا بالنار عليهم وأخذنا بنادقهم الرشاشة من نوع إم 16 إضافة لرشاش من طراز “نيجف” وصواريخ “لاو” ولاحقا اعترفوا بمقتل 13 من مشاتهم. خلال ذلك أجروا مفاوضات معنا عبر مكبرات الصوت من أجل وقف إطلاق النار لمدة ساعتين ريثما يقوم الطرفان بإخراج القتلى وإسعاف الجرحى ولكنهم خرقوا الاتفاق وفتحوا بالنار علينا بعد ربع ساعة من جديد بعد أن تأكدوا على ما يبدو من أن جنودهم المفقودين قد فارقوا الحياة. الجيش الإسرائيلي مهزوز ولا ثقة له بنفسه وحتى اليوم الثامن كنا نقاتلهم كالأسود نكبدهم خسائر فادحة وعندما كانوا يفجرون باب البيت كنا في المقابل نخترق البيت ذاته من الجهة المعاكسة وننتظرهم داخله حتى يقعوا بالكمين. ولما لم يحصلوا على حق ولا باطل معنا باشروا في اليوم الثامن باستخدام الجرافات وهي جبال متحركة من الفولاذ هدمت البيوت على من فيها دون تردد طيلة ثلاثة أيام لكننا بقينا نقاتل من بيت لآخر حتى نفذت ذخائرنا”.

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.