حدود سبتة ومليلية ستبقى مغلقة حتى يتم الاتفاق مع السلطات الاسبانية على نموذج جديد ينهي التهريب وينمي السياحة

«إذا توقفت الحدود يوماً ما فستموت جوعاً، ونحن الآن بلا عمل لمدة شهرين ونيف، ولا نستطيع الاحتجاج بسبب حالة الطوارئ، وإلا سنذهب إلى السجن، فهم يريدوننا أن نكون هادئين»، هكذا يصف محمد (38 سنة)، عبر الهاتف لـ»القدس العربي»، حالة الحمالين، الذين كرسوا ظهورهم لحمل البضائع المهربة من سبتة، مقابل دراهم معدودات تقيهم حرج السؤال.
عندما بدأ الفيروس التاجي يطرق أبواب المغرب، أغلقت المعابر الحدودية مع سبتة ومليلية يوم الـ13 آذار/ مارس، ولن تفتح حتى يتم التفاوض مع إسبانيا على نموذج حدودي جديد يركز على السياحة، إذ تدرس الرباط إنهاء التجارة غير المهيكلة (التهريب) وإرساء عادات تجارية جديدة عبر الموانئ المغربية.
الحدود المستقبلية ستكون صعبة أمام المرور غير المشروع للأشخاص أو البضائع. ووفق مصادر من الناظور، فقد تلقوا أوامر هذا الأسبوع من السلطة التنفيذية في الرباط «لربط الأنظمة الإلكترونية في المراكز الحدودية الثلاثة التي تربط البلاد مع مليلية، وبني إنصار، وفرحانة، والحي الصيني».
هذه الخطوة الأخيرة ستخنق عمل آلاف الحمالين الذين ينقلون البضائع من مليلية إلى الناظور دون دفع الرسوم الجمركية. والآن، مع هذه الحدود الجديدة، سيصبح ممر الحي الصيني معبراً للركاب وممراً للدراجات النارية.
وحتى آذار/ مارس، كان في إمكان سكان محافظة الناظور دخول مليلية دون تأشيرة سفر، وبعد إعادة فتح الحدود سيكون من الممكن لهم فقط الدخول إلى سبتة ومليلية ومغادرتهما إلى المغرب عبر النوافذ الجمركية وختم جوازات السفر دون تهريب، وسيتم ربط سبتة بالمغرب عبر معبر «تارجال I» الحدودي، أمام حركة الأشخاص والمركبات، وحتى الآن كان يتم العبور من خلال «تارجال II»، الذي تم بناؤه لنقل البضائع إلى المغرب.
ويقول الأمين العام لاتحاد رواد الأعمال في سبتة، أنطونيو راميريز، إن التجارة غير النمطية في هذه المدينة انتهت 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ولن تستأنف، وهكذا فإن البضائع المكتظة في مستودعات منطقة «تارجال» الصناعية الثانية «أعيدت إلى طنجة ميد عبر الجزيرة الخضراء».
تلك الصور لآلاف المغاربة الذين يحملون مئات الكيلوغرامات على ظهورهم في عربات مجرورة أو في السيارات نحو نقطة المنتجات المهربة، لن نراهم مرة أخرى بعد الوباء والمفاوضات المفترضة بين الرباط ومدريد.
وتطمح الرباط في أن تمر البضائع القادمة من سبتة عبر ميناء طنجة المتوسط ،​والاتية من مليلية عبر ميناء بني أنصار في الناظور. ويعمل المغرب على تطوير وتوسيع وتعزيز هذه الموانئ والمناطق الحرة منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
على أرض الواقع، يعني هذا أنه لن تكون هناك تجارة مباشرة بين مدينتي سبتة ومليلية والمغرب، بحيث تهدف الرباط -وفقاً للمصادر- إلى «أن تصل البضاعة إلى المغرب من شبه الجزيرة».
هذه الاستراتيجية كانت تختمر منذ سنة ونصف شهدت عقد اجتماعات للمغاربة مع رجال أعمال من مليلية؛ لإبلاغهم بنهاية التجارة غير التقليدية وتشجيعهم على الاستثمار في السفن والأراضي في المغرب.
ويوضح رجل أعمال شاب من مليلية: «لقد عرضوا علينا إعانات وحتى مغادرة مليلية والقدوم إلى المغرب».
رجل الأعمال المغربي هذا، الحامل لإقامة إسبانية تسهل عمله على جانبي الحدود، يؤكد أن «الوباء جاء في صالح المغرب، لقد كانوا مصرين على إنهاء التهريب، وهذا أمر جيد لهم».
ويصوغ المغرب هذا الإطار الحدودي الجديد الذي سيخنق مدينتي سبتة ومليلية، كما يرى سياسيوها الذين يؤكدون أنهم ليسوا «على علم بأن المغرب سينهي عملية التهريب التجاري».
ويرى مسؤولو المدينتين أن المغرب بهذا يخطط إلى إمكانية عدم إعادة فتح الحدود مع إسبانيا، ويؤكدون أنها «إذا استسلمت الحكومة المركزية لمقترحات السياسيين في سبتة ومليلية لدخول فضاء شينغن، فإن المغرب «سيغلق الحدود تماماً».
الهدف النهائي هو «السيطرة على الجريمة العابرة للحدود»، حسبما تقول سلطات الناظور، كما جاء في الاتفاق الثنائي حول التعاون في مكافحة الجريمة، الموقع في الرباط في 13 شباط/ فبراير 2019 من قبل وزيري الداخلية في البلدين بحضور الملكين، ولكن الحقيقة في نظر السبتيين والمليليين هي أن «نظام الحدود الجديد يمثل عنق الزجاجة الاقتصادي لسبتة ومليلية».
«نحن في أزمة بعدما أخذت الحكومة منا كل شيء، لا يوجد مال ولا أحد يمكنه أن ينفق على أولاده»…، يقول محمد الذي يشتغل منذ أزيد من عشر سنين على الحدود. وفي كل تلك السنوات، لا يتذكر وضعاً أيأس من اليوم، فقبل جائحة الفيروس التاجي، أغلق المغرب وإسبانيا حدود «تارجال» أمام المرور غير المنتظم للبضائع، سواء على متن السيارات أو في عربات تدفعها النساء المغربيات سيراً على الأقدام.

شاهد أيضاً

هكذا أدارت المقاومة الحرب النفسية مع الاحتلال في غزة

ظهرت في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهمية الحرب النفسية باعتبارها جبهة أساسية من جبهات هذه المعركة، وحاول كل طرف توظيف الدعاية للتأثير النفسي في مخاطبة جمهوره والجمهور المعادي.