حالة الطوارئ

بقلم الدكتور د. إياد قنيبي

كثير ممن يهتم لأمر أمته في أيامنا يعيش حالة طوارئ مستمرة.. بحيث لا يستمر في عمل طويل النفَس بحضور ذهن وقناعة بما يفعل..لأنه يحس دائماً مع رؤية الأخبار الفاجعة أنه “يجب عمل شيء بسرعة”، “الوضع لا يتحمل”، “الطوفان آتٍ”، “الدور علينا”…
فإذا دخل الجامعة ليتخصص في علمٍ أحس في قرارة نفسه أنه “يضيع وقته”..
وإذا سجل في دورة شرعية، أو قرأ كتاباً في تربية الأبناء أحس أنه “يتهرب من مسؤوليته تجاه أمته”..
وإذا لعب مع أولاده أحس بــ”الخيانة لأبناء المسلمين المنكوبين”…

وهكذا…أكثر الوقت لا قناعة لديه بما يفعل.
ويُنَفِّس عن أحاسيسه هذه بأن يَشْغل نفسه بالأخبار ولو انشغالاً غير نافع…يتابع، يتحسر، يسب، يغضب، ثم…لا شيء!

والنتيجة: حالة الطوارئ هذه تنعكس على نفسيته وتعامله مع والديه و زوجته وأبنائه ومع الناس عموما، وعلى إخفاقه في دراسته أو عمله، بل وعلى دينه وعلاقته بربه.. ليس صاحب نفسية منشرحة مطْمئِنة.. وإذا كان صاحب مظهر ملتزم نفر الناس عن الالتزام!

ويُترك النجاح والتفوق لغيره ممن أفكارهم مشوشة تجاه القضايا الحاسمة في حياة الأمة كحاكمية الإسلام و وجوب الانحياز إليه في حربه مع استعباد النظام الدولي للعباد، بل وحتى أساسيات الإسلام كالوجود الإلهي وصحة النبوات والقرآن…ممن أفكارهم مشوشة أو قد حسموا أمرهم في الاتجاه الخاطئ تماماً! أو اختاروا الانحياز للنظام الدولي وأذنابه…ويصبح هؤلاء هم قدوات المجتمع “الناجحين” في تعريف الناس والمؤثرين فيه..ويحتاجهم صاحب “حالة الطوارئ” في دراسته، وتوظيفه وعلاجه، ويقرأ أبناؤه رواياتهم ويتابعون نتاجهم ويتأثرون بشخصياتهم !

نعم..لا بد أن تهتم لأمر أمتك..لكن حول همك هذا إلى هِمة، حول حزنك إلى قوة دافعة، حول شعورك بالمسؤولية إلى ترفع عن الغفلة.. واحتسب الأجر وخدمة الإسلام في كل علمٍ تتعلمه، وكل بسمة تبتسمها في وجوه الناس وإن كنت متألماً، وفي كل لعب تلعبه مع أولادك لتقوي علاقتك بهم وتأثيرك عليهم وتنشئهم أصحاء نفسياً..وفي إعطاء كل ذي حق حقه…

واعلم أن المعركة طويلة..تحتاج نفَساً طويلاً، وعملاً مشاريعياً، وبناءً بطيئاً، وأنك تحتاج لهذا كله نفسية متوازنة، فلا تحرقها بـ”حالة الطوارئ”.

لن يتركك أعداؤك، وسينهشون من جسدك ويرمون الحجارة على بنائك، ويضعون العراقيل في طريقك، ويحرصون على تعريضك وأمتك لقوس أزمات لتيأس وتستسلم عن المحاولة..

لا تدعهم يغلبونك! بل اصبر..وسيجعل مكرهم لصالحك (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون)…
وتكون أنت بإذن الله قضاء الله الغالب: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

شاهد أيضاً

غزة تنزف….

غزة اليوم هي عضو الأمة الأشدّ نزيفا من بين كثير من الأعضاء التي لا تزال تنزف من جسد المسلمين، ومخايل الخطر تلوح في الأفق على المسجد الأقصى، الذي يخطط المجرمون لهدمه، أو تغيير هويته وتدنيسه، ولا يمنعهم من ذلك إلا الخوف من بقايا الوعي والإيمان في هذه الأمة أن تُسبب لهم ما ليس في الحسبان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *