جبهة تحرير مورو الإسلامية وكفاحها الطويل ضد الجيش الفلبييني

بقلم : د.ليلي حمدان

تشكلت المقاومة الموروية المعروفة باسم جبهة تحرير مورو سنة 1387 هـ/1968م وذلك من فئات الشعب المسلم المضطهد ولكنها مرت بمراحل من الانقسام والاختلاف.

وظهر فيها قائدان أحدهما قائد التيار الوطني نور ميسواري، والثاني قائد التيار الإسلامي، سلامات هاشم. ونجحت الجبهة بتحالف التيارين وفق اتفاق بينهما -منذ تأسيسها- من توفير المقاومة للمسلمين في حرب الإبادة الطويلة التي شنها الجيش الفلبيني الصليبي على مسلمي مورو.

ويجدر الإشارة إلى أن عددًا من أعضاء الجبهة تلقوا تدريسهم في الأزهر بمصر، وتأثروا بأدبيات سيد قطب والمودودي، كما درس عدد منهم في جامعات أخرى في البلاد الإسلامية منها السعودية، بينما شارك عدد آخر منهم في الجهاد الأفغاني، ورجعوا بهذه الخبرات إلى الفلبين.

وعلى الرغم من تفوق سلاح الجيش الحكومي الفلبيني ومساندة الأمريكيين واليهود له إلا أن المسلمين حققوا عدة انتصارات كبرى أجبرت الحكومة النصرانية على الجلوس على مائدة المفاوضات.

لكن الدخول في خط المفاوضات تسبب في اضطراب كبير داخل الجبهة، حيث اتُّهم نور ميسواري بحرف الجبهة عن خطِّها الإسلامي والانحياز للحكومة، خاصة بعد تقريب الأخيرة له، وانفصل على إثر ذلك العلماء وعدد كبير من الأعضاء فأسَّسوا في عام 1977م “جبهة مورو الإسلامية” والتي ضمَّت 90% من رجال الجبهة السابقة، بقيادة سلامات هاشم.

وبحسب سلامات وأنصاره فإن السبب الأول للانشقاق هو تراجع ميسواري عن تبني الدعوة لتطبيق الإسلام، وتخلي الجبهة الوطنية عن مطلب الاستقلال والاكتفاء بالمطالبة بالحكم الذاتي.

وسارت الجبهة الإسلامية على سبيل الجهاد كما أرادت لكنها ما لبثت أن دخلت في المفاوضات مع الحكومة هي الأخرى، وكانت المفاوضات تسير بشكل متقطع ومتعثر بشكل كبير إلى أن وصلت إلى جولة المفاوضات تحت رعاية ماليزية، فرضيت خلالها بتأسيس منطقة حكم ذاتي تحمل اسم “بانجسا مورو” متنازلة بذلك عن مطلبها الأول في تأسيس دولة إسلامية مستقلة.

وتسبب هذا التنازل في انشقاقات جديدة في صفها على غرار الانشقاقات في صف الجبهة الوطنية لتحرير مورو التي أفضت لولادة الجبهة الإسلامية، وأسست الانشقاقات الجديدة جماعات جهادية مسلحة أشهرها جماعة “أبو سياف” التي ظهرت في عام 1991م.

وفي عام 2003 فقدت الجبهة مؤسسها التاريخي سلامات هاشم الذي كان يطلق عليه “أسد ميندناو” و”أسد الجهاد الفلبيني”، والذي يعد الأب الروحي للتيار الإسلامي في المقاومة الموروية، وتولى قيادة الجبهة منذ ذلك الحين الحاج مراد إبراهيم.

وتحولت بذلك الجبهة الإسلامية من التعبوية الجهادية إلى الخطاب الدبلوماسي السياسي، بعد الوصول إلى تسوية مع الحكومة عن طريق المفاوضات تخولها الحكم الذاتي متخلية بذلك عن مطلبها الأساسي بالاستقلال التام عن الفلبين.

من جانبها واصلت جماعة أبو سياف التي تحمل كنية مؤسسها وهو “عبدالرزَّاق جان جيلاني” مسارها العسكري إلى أن قُتل في 18 ديسمبر عام 1998م، فانقسمت الجماعة إلى جماعات تنتهج جميعها نهج القتال والمواجهة العسكرية، وتحمل نفس أدبيات جماعات جهادية عالمية كتنظيم القاعدة ومنها من أعلن البيعة لتنظيم الدولة.

وأصبحت بذلك الجبهة الإسلامية لتحرير مورو تواجه اليوم رفقاء الأمس، الذين لا يزالون يريدون إقامة دولة إسلامية مستقلة وتحاول بحسب زعيمها أن تصل إلى اتفاق معهم إلا أنها تواجه صعوبة في تحقيق ذلك لاختلاف الرؤى والمناهج.

ولا شك أن التدخل الأمريكي لإجهاض أي صعود إسلامي قد وضع هذه المنظمات الجهادية المسلحة في مرمى أهداف الولايات المتحدة. فأرسلت قوَّاتها للتعاون مع الجيش الفلبيني والحكومات المتعاقبة، لمحاربة هذه الجماعات كما فعلت من قبل مع جبهة تحرير مورو، ولا تزال المواجهة مستمرة تفتر تارة وتشتد أخرى مما يوحي بطول أمد الصراع.

وحصل مسلمو مورو اليوم بعد رحلة كفاح طويلة على الحكم الذاتي عقب استفتاء شعبي على قانون “بانجسا مورو”، أجري يومي 21 يناير/ كانون الثاني و6 فبراير/ شباط 2019، في جزيرة مينداناو الجنوبية.

وأدى مراد إبراهيم، رئيس الجبهة، اليمين الدستورية، في 22 فبراير/ شباط 2019، رئيسًا لوزراء الحكومة المؤقتة في “بانجسا مورو”، منطقة الحكم الذاتي في خمس مقاطعات ذات أغلبية مسلمة. فيما خرجت بقية المناطق التي كانت تحت حكم المسلمين من حساب الحكم الذاتي بسبب ارتفاع موجات التنصير ونزوج الغالبية النصرانية لأراضيها فتسببت في تغير ديموغرافي سحب من المسلمين أحقية حكمها.

ومع الحكم الذاتي لإقليم بانجسا مورو تبقى الحكومة المركزية في مانيلا تسيطر على الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والسياسة المالية لمناطق المسلمين.

وهو حكم جاء في مقابل إعلان جبهة تحرير مورو الإسلامية عن استعدادها للتخلي عن مطالبتها بدولة إسلامية مستقلة وإيقافها نشاط قوات الجبهة. حيث يجري تسليم أسلحة المقاتلين لتكتمل العملية عام 2022م وتتحول الجبهة إلى كيان سياسي خاضع لقانون الأحزاب.

ولا تزال جبهة تحرير مورو الإسلامية تطمح إلى مرتبة قريبة من الفيدرالية؛ لكن تواجهها عقبات في سبيل تحقيق ذلك.

واقع المسلمين في الفلبين اليوم

واقع المسلمين اليوم رغم رحلة الكفاح الطويلة المريرة لا يزال مؤسفًا، فمناطق المسلمين التي تعتبر أغنى المناطق في الفلبين، يعيش سكانها في فقر وضعف لافت وتشتكي حكومة الحكم الذاتي من قلة الموارد وعدم تحصيل مساعدات من الحكومة الفلبينية التي بيدها الميزانية، مما يظهر أثره على المستوى الحضاري لمناطق المسلمين وبنيتهم التحتية واقتصادهم ونهضتهم التي تعثرت طويلًا بفعل الحروب.

هذا النقص المادي يضاف إليه نقص في المواد الدعوية والعلمية حيث لا تزال حركة الدعوة الإسلامية في البلاد ضعيفة وغير مؤهلة لاستيعاب حاجة الفلبينيين لمعرفة الإسلام في وقت تسلط فيه الحكومة الفلبينية كل ما يدخل في فلك محاولات التنصير المستمرة واستغلال الخلافات المذهبية والسعي بالفتن في الصف الإسلامي ونشر البدع ومظاهر الرذيلة والفسق والفجور لفتنة شباب المسلمين. وهي حيلة الحكومة بالغزو الفكري بعد فشل الغزو العسكري.

ومع ذلك يظهر الفلبينيون المسلمون اعتزازًا بدينهم ولا يزالون يحافظون على شعائره بينما تظهر بين الفلبينيين النصارى قابلية كبيرة لاعتناق الإسلام حيث تسجل الإحصاءات أن الجالية الفلبينية تمثل أكثر من 50% من المقبلين على الإسلام والمعتنقين له في بعض البلاد العربية خاصة دول الخليج. وتواترت شهادات الدعاة على أن الفلبينيين يقبلون على الإسلام بسهولة، نظرًا لصلتهم التاريخية بالإسلام.

ويبقى الإسلام المتجذر في قلوب المسلمين أقوى من أن تقتلعه القوة العسكرية أو القصوفات والحروب، ولكن أخطر ما يمكن أن يتربص به هو دعوات الانحراف والفتنة وتشويه أصول الدين فبها يتم إخماد جذوة الإسلام وطموحات نهضة الحضارة الإسلامية عند الجماهير.

فلابد من حفظ الإسلام في الفلبين بتقوية الحركة الدعوية ودعم المسلمين بدعم تجارتهم وقوتهم الاقتصادية ومعايشة همومهم وأخبارهم وتفعيل قضاياهم على المنصات الإعلامية وربط الجسور بين الناشطين وطلبة العلم والعلماء والإعلاميين والمؤثرين لحفظ الوصال الإسلامي مثمرًا كما حرص على ذلك أسلافنا في القرون السابقة رغم الفارق الهائل في الوسائل المتاحة لهم آنذاك والمتاحة في عصرنا.

ومن يتأمل قصة الإسلام في الفلبين يتراءى له كلمات الخطيب الإدريسي حين قال:

إنّ الإسلام إذا حاربوه اشتدّ، وإذا تركوه امتدّ، والله بالمرصاد لمن يصدّ، وهو غني عمّن يرتدّ، وبأسهُ عن المجرمين لا يُردّ، وإنْ كان العدو قد أعدّ فإنّ الله لا يعجزه أحد، فجدِّد الإيمان جدِّد، ووحِّد الله وحِّد، وسدِّد الصّفوف سدِّد

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،