ثورة ٢٦سبتمبر بين رِبقات العبودية وقلائد الحرية!

اد_فؤاد_البنا

في ليلة ٢٦ سبتمبر من عام ١٩٦٢م اندلعت ثورة عظيمة باركها رب السماء الذي لا يرضى بالظلم ولم يأذن بالقهر؛ حيث انطلقت لتُحرر ملايين اليمنيين من أغلال الاستعباد السلالي المقيت وتنقذهم من أدعياء الحق الإلهي المزعوم تحت شعارات ودعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، فنزعت هذه الثورة من أعناقهم ربقات العبودية وعلّقت عليها قلائد الحرية، وطرحت من فوق رؤوسهم أوقار الذل واضعة بدلا عنها تيجان الكرامة.
وقد اجتهد قادة الثورة ورواد الحرية وجاهدوا في كل سبيل، من أجل أن تخرجهم هذه الثورة المباركة من غياهب الجهل إلى أنوار المعرفة، وتنتشلهم من قيعان الهوان إلى فراقد العزة، وناضلوا من أجل أن تستنقذهم من براثن الفقر وتبعدهم عن أوجاع المرض، مرتقية بهم في آفاق الصحة وقمم الحياة الكريمة.

وبحمد الله تعالى وتوفيقه، فقد أنجزت الثورة الأدبيات النظرية المطلوبة لتحقيق تلك الغاية العظيمة، وهي الدساتير والقوانين والمناهج والمواثيق، وقطعت في الجانب العملي أشواطا مهمة، مقارنة بما كان عليه الحال قبل الثورة، فقد كانت اليمن تعيش في عصور ما قبل التاريخ كما شهد كل من عرف الأوضاع عن كثب من غير اليمنيين، غير أن الوضع ظل دون ما ينبغي أن يكون عليه الحال بكثير، وذلك بفعل عوامل عديدة تتراوح بين الموضوعية والذاتية، وتتوزع مسؤوليتها بين الخارج والداخل.

وتتمثل العوامل الذاتية في عدد غير قليل من صور القصور والتقصير التي شابت عمل الثوار، وظهرت في سياسات من أمسك السلطة بعدهم، وبعضهم ممن لا خلاق لهم ولا يهمهم إلا ملئ جيوبهم، وقد تضافرت هذه العوامل الذاتية لتفتح، من غير وعي أصحابها، مجموعة من الثقوب في حوائط الوطن اليمني، مما أدى إلى تسلّل ثعالب الإمامة الحوثية إلى داخل حصون الجمهورية، وهي الثعالب التي انقلبت إلى ذئاب مفترسة ووحوش ضارية بعد انقلابها على الشرعية الثورية والدستورية ومكتسبات اليمنيين خلال نصف قرن.

وللأسف الشديد فقد ساعد هؤلاء المتوحشين في افتراس ضحاياهم ضعفُ المناعة الثقافية والوطنية عند أعداد وفيرة من المصابين بآفة الأمية الأبجدية والفكرية من عامة اليمنيين ولا سيما وسط القبائل في شمال الشمال، بجانب ندرة الحُرّاس المرابطين في ثغور الفكر والثقافة، فقد ظن الوطنيون لغفلتهم عن سنن التغيير، أن التأريخ قد انتهى وأن الحق قد انتصر إلى الأبد، وأن الإماميين لن تقوم لهم قائمة بعد أن نجحت ثورة سبتمبر وفضحت كهنوتهم ورفعوا من مستوى اليمنيين؛ فتوقفّوا _أي الوطنيون الأحرار__ عن بَثّ الفكر وصناعة الوعي، وبدلاً عن تفجير ثورة ثقافية ترتقي بالعقول وتوسع مساحات الوعي، انشغلت النخب الثقافية بممارسة اللعَب السياسية ووضع المتاريس في طرق بعضها، وأشعلت بعض القوى حروباً باردة ضد بعضها، وكانت تتطور في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلّحة دامية؛ مما أدى إلى اتساع مساحات الجهل والفقر في العقدين الأخيرين، وتسبب ذلك في وقوع أعداد غير قليلة من اليمنيين في حبائل الفكر السلالي الطائفي، بتحريض ودعم من قوى إقليمية ودولية لا تريد لليمن الاستقرار ولا تستسيغ قيام نظام جمهوري حقيقي يستظل تحت راية الدستور ولا ينحرف عن جادة القانون، ويتكئ على الشورى ويستفيد من الديمقراطية، ويبسط العدل ويحقق المواطنة المتساوية، ويقدس الحقوق والحريات لجميع المواطنين .

وفي مثل هذه المناسبة ينبغي أن يتداعى كافة الأحرار والعقلاء، وأن يتنادى أهل العلم والثقافة للتعاهد العملي على التعاون والتآزر في إطلاق ثورة وعي كبرى تؤدي إلى إرساء قيم الحرية والعلم والعدالة والمساواة والوحدة والأمن في العقول والقلوب، وتجفيف منابع العبودية والظلم والجهل والفقر وسائر أشكال التفرقة العنصرية والطائفية والطبقية والجهوية، إن لم يكن من منظور القيم التي تدعو لها ثورة ٢٦ سبتمبر فمن زاوية مواجهة العدو المشترك الذي يتربص بجميع اليمنيين الدوائر ويشيع فيهم الفتنة وينشر الفساد ويرفع في وجوههم السلاح، مغتصباً للأرض والأموال والسلطة ومُصادراً للحرية والعزة والكرامة.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".