ثلاثية الشر والمكر…

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد 

ثلاثية الشر والمكر..

من أهم خطوات المفسدين ضد المصلحين ثلاثة:
1- التشتيت
2- التشويش
3- التشويه

ولنبدأ في هذه الحلقة بالخطوة الأولى:

1-التشتيت: التشتيت يضم معاني التفريق والإبعاد والبعثرة والإشغال، فهو تفريق للحمة وإبعاد عن الغاية وبعثرة للأعمال وإشغال عن واجب الوقت، فإذا وقفنا عند كل واحدة من هذه العمليات فسنجد:

@ تفريق اللحمة: فاليد الواحدة لا تصفق، وهذا الدين لن يستطيع أحد مهما بلغ من الفهم والعزم والتقوى والصلاح أن يشاده، ويحمله ويفهمه ويطبقه ويدرك مقاصده ومفاهيمه وتنزيلاته والغابر من معانيه وتأويلاته، فهو دين جماعي بامتياز، يعمل الفرد جهده ويتقوى بغيره ويكمل بغيره ويعتبر بغيره، فهو دين النصح والتكامل والتعاون، وكل من ظن بأنه يستطيع حمل اللواء بمفرده، فهو واهم مهما انتفخت سواعده، وامتلأت زنوده، فلن يزيد الدين إلا سوء وشرا ومفسدة وضعفا من حيث يحتسب ولا يحتسب، لما فهم خصوم هذا الدين هذه الحقيقة، اتجهوا منذ زمن سحيق باساليب ووسائل مختلفة الهياكل متفقة المضمون لتفريق تلك اللحمة التي بها يصان هذا الدين ويحصن ويتطور ويجمل ويتحسن.

@ الإبعاد عن الغاية: يتمثل في تتويه السالكين والمسلكين والعاملين والمرشدين عن المقصد العام والمقصد الخاص، والمقصد الكلي والمقصد الجزئي، حتى يصبح العمل الديني في كثير من الأحيان ينهش وينخر ويزعزع ويزلزل ويهدم صرح هذا الدين، وذلك الناهش الناخر يقول قال الله، قال رسوله، قال الصحابة، قال العلماء، فكل محاولة للإبعاد عن الغاية هي لون من ألوان ذلك التشتيت، الذي لا يمانع من بقاء الدين والتدين، ولكنه دين تائه وتدين غافل ساذج لا يرفع رأسا يرى الطريق والغاية والهدف..

@ بعثرة الأعمال: من اطلع على دين الإسلام وجده أفعال وأقوال وتروك، هذه الأنماط والأحوال يستحيل أن تقوم بها جمعا دائما في زمن ومكان واحد، فلابد من كثير من الأحيان أن تفعل فعلا واحدا أو تترك تركا واحدا، وعند التعارض واستحالة الجمع تأتي عملية الترجيح، هذه العملية لها اعتباراتها وقواعدها ومرجحاتها، حتى نعمل العمل المناسب في الزمن والمكان المناسب، ويتعقد الأمر فيما كان ميزانه المصلحة والمفسدة، فيتعين التريث والتامل والجمع بين الأدلة والاجتهاد والتعاون والتناصح والحزم في أخذ القرار، هذه كلها عمليات دقيقة محسوبة، ولبنات متراصة يأتي التشتيت ليبعثرها، فيصبح المقدم مؤخرا والمؤخر مقدما، والكبير صغيرا والصغير كبيرا، والواجب سنة والسنة واجبا، والحرام حلالا والحلال حراما، والمفسدة مصلحة والمصلحة مفسدة، والفاضل مفضولا والمفضول فاضلا، فإذا فقد المخطط والخريطة وهرم الاولويات، صار التدين عبئا على الدين، ومعولا من معاول هدمه، ويدا من أيدي بعثرته، فالأعمال والمظاهر والهيئات من الدين، لكنها مبعثرة ضعيفة هزيلة، تنفق فيها الطاقات والأوقات والتضحيات، ولا يظهر لها ثمرة ولا نتاج ولا تأثير، وإن ظهر سرعان ما ينطفئ ويزول ويهوي لأنه طفرة اعتلت على شفا جرف هار..

@ الإشغال عن واجب الوقت: هذا قد يفهم من الإبعاد عن الغاية أو بعثرة الأعمال ولكن فيه خطرا آخر لابد من إفراده بالذكر، وهو أن الواجبات قد تتعدد وتتزاحم وكل منها ينادي ويرفع يده ويقدم احتجاجه، ويبين أهميته وخطر إهماله، ويعتبر نفسه الأولى والمقدم على غيره، فيلح هذا ويجر ذاك ويجذب الآخر، حتى يغرق العامل في دوامة الواجبات، فيقبل على كلها، ولا ينجز واحدا منها، أو يقف حائرا جامدا ساكنا تائها، أو تاركا للجميع، وهنا في هذه الأحوال المضطربة والمحيرة خاصة إذا تكالبت تلك الواجبات على من غفل عنها عقودا وقرونا وهو يسوف ويؤخر ويرجئ، فعند استفاقته أو محاولة يقظته وجد كما هائلا من الواجبات الحاضرة والمحمولة والمستقبلية، هنا في خضم هذه الحيرة، إذا لم يكن عندنا تريث وتأمل وميزان دقيق وقدرة على التركيز التي تستجيب لواجب الوقت عملا وإعمالا وإتقانا، ثم الذي يليه ثم الذي يليه مع القيام بواجبات أخرى ولكن دون واجب الوقت أهمية واهتماما وتركيزا، جاء التشتيت ليشغلنا عن واجب الوقت، ويجعلنا بين جامد وتائه وحائر ومنشغل عن واجب الوقت..

هذه أهم ألوان التشتيت التي قد يتعرض لها أي تدين أو تديين فردي أو جماعي، والسؤال الذي يلح الآن كإلحاح تلك الواجبات، هو: ما أركان ووسائل ذلك التشتيت؟

عملية التشتيت تتكون من: مشتِّت ومشتَّت ومشتت عنه ومشتت به ومشتت إليه، كما سنبين مكافح هذا الداء.

أما المشتت: فإمام المشتتين إبليس اللعين، وقد أخذ على عاتقه وجعل من أولى أولوياته (فأزلهما) (فأخرجهما) (لأقعدن) (لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم..) (فوسوس)(فدلاهما بغرور) (لأزينن) (لأغوينهم أجمعين) ( لأحتنكن) (استفزز) (أجلب عليهم) (شاركهم) (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) ( الظالمين…المضلين) (هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه )
هذه اولويات إبليس كلها تصدق على ثلاثية الشر والمكر، يدخل فيها ما يوافق التشتيت:
فالإخراج تشتيت، لأنه يخرج المسلم والمتدين والداعية والعالم مما هو أولى وأهم، فيشغله عن واجب الوقت ويبعثر أعماله ويبعده عن الغاية، فتتفرق اللحمة.
وإقعاد الطريق المستقيم تشتيت لأن فيه إضلالا وتضليلا وتزيينا وكل هذا نوع من انواع التشتيت، يقدم لك ما حقه التأخير، ويزين لك المذموم او المفضول. والاحتناك تضليل واستيلاء واستئصال واقتياد وكل ذلك تشتيت وتدخل في تحريف الطريق، وتضليل عن الغاية والهدف.والإجلاب تشتيت لأنه تتويه وتحريف وتضليل. والمشاركة في الأولاد تشتيت للجهود وإعدام للاستمرار.. وتصديق الظن عليهم تشتيت..

إذن فإمام مدرسة التشتيت هو إبليس لعنة الله عليه، وكل من سار على نهج التشتيت وتشبع به وساهم فيه من حيث شعر او من حيث لا يشعر، فالتشتيت سنة إبليسية عبر عنها القرآن وحذر منها ونوه وسائلها والوانها وأشكالها، حتى نكون على بينة منها، وحتى لا تزل قدمنا في اوحال التشتيت، التي إن تمادينا فيها واستسغناها واعتبرناها بابا من أبواب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأصلا من أصول التدين، صرنا أساتذة مقربين من إمام هذه المدرسة الإبليسية أدركنا ذلك أو لم ندركه.

ونتابع في الحلقات القادمة ما يتعلق بالتشتيت وباقي ثلاثية الشر والمكر.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.