تونس  “تونس هل يحد منع ”الكاش” الفساد المالي؟

لم يعد بإمكان التونسيين بداية من اليوم تداول “الكاش” في معاملاتهم المالية، التي تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دينار (نحو 1600 دولار)، وهو إجراء اتخذته الحكومة في إطار “ترشيد استعمال الأموال ودعم شفافية المعاملات بين الأشخاص”.

ويجمع مراقبون وخبراء في الاقتصاد على أن هذا الإجراء من شأنه أن يسهم في الحد من نزيف العملة التي يقع تداولها خارج الأطر الرسمية، وأن يحارب ظواهر مثل التهرب الضريبي وتبييض الأموال، التي تنخر الاقتصاد التونسي.

ويأتي هذا الإجراء تطبيقا لأحكام الفصل 45 من قانون المالية لسنة 2019، حيث “يحجر على المصالح الإدارية العمومية إسداء الخدمات المتعلقة بالتفويت بمقابل للعقارات أو الأصول التجارية أو وسائل النقل التي يدفع ثمنها نقدا”.

ويشمل هذا الإجراء الجديد “عمليات التفويت بمقابل للعقارات أو أجزائها والأصول التجارية أو عناصرها وكذلك وسائل النقل بجميع أنواعها”.

ويتمثل الأمر في ضرورة الاعتماد على وسائل دفع بنكية أو بريدية لإتمام هذه العمليات، مع وجوب التنصيص عليها ضمن عقد البيع وذكر البيانات والمراجع المتعلقة بها.

أزمة سيولة
وسبق لمحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي أن كشف في تصريحات إعلامية محلية عن قيمة الكتلة النقدية التي يقع تداولها خارج القطاع المالي المهيكل، والتي ناهزت أربعة مليارات دينار (نحو 1.3 مليار دولار).

وأقر العباسي خلال جلسة استماع عقدتها لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب بوجود أزمة سيولة خانقة تهدد القطاع البنكي، لافتا إلى أن “سنة 2019 ستكون صعبة على البنوك”.

واعتبر الخبير المحاسب وليد بن صالح في تصريح للجزيرة نت أن هذا الإجراء يهدف إلى ترشيد المعاملات نقدا والحد منها؛ بهدف التحكم في الحجم المتنامي للسوق الموازية، الذي فاق 30% من الناتج المحلي الخام”.

وقال إن هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في الحد من ظاهرة التهريب والتهرب الجبائي وعمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تشكل المعاملات نقدا أحد أهم ركائزها.

ولفت وليد بن صالح إلى أن إحصاءات صادرة عن البنك المركزي أظهرت تضاعف كتلة الأوراق المالية المتداولة منذ أواخر 2010، لتتجاوز 125 مليار دينار، في حين تقدر حاجات الاقتصاد الوطني بنحو 85 مليار دينار.

وأضاف “نستنتج هنا أن أكثر من أربعة مليارات دينار من المعاملات النقدية لا تتم عبر المسالك العادية المقننة للجهاز البنكي ولا تخضع للرقابة”.

محافظ البنك المركزي التونسي قدّر الأموال التي تتداول خارج القطاع المالي المهيكل بأكثر من مليار دولار(رويترز)

وفي المقابل، نبّه الخبير المحاسب لوجود عوائق قد تحد من تطبيق هذا القانون، وبالتالي تقليل نجاعته، لافتا إلى محدودية وضعف أجهزة الرقابة الإدارية الداخلية على العمليات المالية، وقصور بعض التشريعات، لا سيما المتعلقة بالتفويت بوسائل النقل.

وشدد على أن ضعف نسبة انخراط المواطنين ضمن المنظومة البنكية والمالية من شأنه أيضا أن يحد من نجاعة هذا الإجراء.

وسبق أن قدّر فيصل دربال الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة التونسية والمكلف بالإصلاحات الجبائية حجم التهرب الضريبي في تونس بـ25 مليار دينار (8.3 مليارات دولار).

قرار مهم ولكن…
وثمن عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد العيادي، في حديثه للجزيرة نت، قرار منع تداول الأموال نقدا، مؤكدا أن الهيئة سبق أن حذرت من نزيف تداول الأموال في المسالك غير القانونية وتداعياتها على الاقتصاد التونسي.

وأكد أن هذا الإجراء سيجبر كثيرين ممن يعتمدون على المسالك الموازية في معاملاتهم المالية على ضخ أموالهم في البنوك، وبالتالي التصريح بمكاسبهم وإظهار مدى شفافية معاملاتهم.

وشدد على أن ظاهرة تبييض الأموال من خلال شراء العقارات وباقي المقتنيات ارتفعت بنسق كبير بعد الثورة، وأن أغلب أصحابها من كبار أو صغار المهربين وتجار الممنوعات.

وقال العيادي إن “أهم ما في هذا الإجراء هو ترك الأثر في المعاملات المالية، وبالتالي سيكون من السهل تتبع أصحابها ومراقبة مصادر أموالهم”.

وأعرب -في المقابل- عن خشيته من صعوبة تطبيق هذا الإجراء في ظل غياب آليات بنكية متاحة لكل التونسيين، وإمكانيات بشرية لتنفيذ ومراقبة هذا الإجراء في كامل مراحله.

وقال “أي دولة حريصة على شفافية معاملاتها عليها أولا أن تقضي على الأسواق الموازية لتحد من تداول الأموال خارج الأطر الرسمية”.

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،