تعريفات المؤمن

من روائع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4)﴾ هذه التعريفات للمؤمن لها وظيفتان.
 الوظيفة الأولى: أنْ تعرف نفسك من خلالها.
 الوظيفة الثانية: أنها تحدد الهدف أمامك.
 تعرف وتتجه، فلو قلت لك مثلاً: إن الوردة الطبيعية تنمو، وهي ذات رائحة فوّاحة، وأنت عندك وردة لا تنمو، وليس لها رائحة فواحة، فمعنى ذلك أنّها مِن بلاستيك، فهذا التعريف الدقيق للورد الطبيعي يجعلك تقيِّم ما عندك، فـ “إنما” أداة قصر وحصر، يعني المؤمن هكذا، وخلاف ذلك ليس بمؤمن، تقول: إنما العلم بالتعلم، يعني ليس ثمّة طريقة أخرى لكسب العلم إلا بالتعلم، تفيد القصر، مثلاً، تقول:

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

( سورة فاطر: 28 ) يعني العلماء وحدهم يخشون الله، وليس أحدٌ سواهم.
 يجب أن نعرف ماذا تعني “إنما” ؟ إنما أداة قصر، وأداة حصر، إذا قلنا: شوقي شاعر، فقد يكون شوقي كاتبًا كذلك وتاجرًا، وحقوقيًا، وقاضيًا. 
  أما إذا قلنا إنما شوقي شاعر، يعني أنّه شاعر فقط، قصرنا شوقي على الشعر، لو قلنا: إنما الشاعر شوقي، يعني ليس هناك شاعر آخر، هو وحده الشاعر، فإذا المؤمن عرف ماذا تعني كلمة “إنما”، وقرأها في القرآن الكريم يصبح فهمه للآية دقيقاً.
 قال لك:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

( سورة الحجرات: 10 ) يعني إن لم تشعر بهذه الأخوة مع المؤمنين فلست مؤمناً، إذا كنت تبغضهم وتحسدهم، وتتمنى أن يفشو الخبر السيئ عنهم، تتمنى تدميرهم، فلست مؤمناً قطعاً، لقوله تعالى:

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾

( سورة التوبة: 50 ) فقد صاروا منافقين، فحيثما قرأت “إنما” في القرآن الكريم مثل:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 ومثل:

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ ونحو: 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 إن لم يكونوا كذلك فليسوا مؤمنين، أما لو قلنا: المؤمنون وجلت قلوبهم، فليس في الآية قصر، وجلتْ قلوبهم أَوْ لا، وغيرهم قد وجلت قلوبهم، أما إذا قلنا:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 قصرنا هذا الحال النفسي على المؤمنين، فمن لم يشعر بهذا الحال النفسي فليس مؤمناً، ولقد أردت من هذه اللقطة، أو من هذه النظرة اللغوية، أنكم كلما قرأتم آيةً قرآنيةً فيها كلمة: ” إنما” فاعلموا أنّ “إنما” تفيد القصر والحصر، ولو أنّ الله عز وجل قال: العلماء يخشون الله، يعني هذا الكلام أن غير العلماء كذلك يخشون الله، أما إذا قلت:

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ يعني العلماء وحدهم وليس أحد سواهم يخشـون الله، إذا قلت: المؤمنون إخوة، هذا لا يمنع أن يكون الكفار إخوة أيضًا، والمنافقون إخوة، أما إذا قلت:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ أي الأخوّة محصورةٌ ومقصورةٌ بين المؤمنين، ومن لم يشعر بهذه الأخوّة فليس مؤمناً، والكلام واضح. 
 وآيات اليوم التي نحن بصدد الاستفادة منها:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 يعني أنّ الله عز وجل يذكِّر بآياته الكونية، يذكِّر بآياته التكوينية، يذكر بآياته القرآنية، وتذكر أيضًا أسماؤه الحسنى، تذكر صفاته العظمى، يذكر فضله، تذكر عظمته، يذكر حلمه، تذكر رحمته، تذكر قدرته، ثم لا تضطرب ‍‍‍، ولا تهتز لك حاسة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، ولا تشعر بقشعريرة بجلدك، لا تشعر بوجلٍ في قلبك، لا تضطرب ‍‍‍، لا تبكي لا تتأثر، فلست إذًا مؤمناً، فالقلب ميت.

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

( سورة النحل: 21 )

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

( سورة فاطر: 22 ) ليس من مات فاستراح بميتٍ إنما الميت ميت الأحياء
 إذاً هذه الآية مقياس وهدف، هذا هو الهدف، وذاك هو المقياس، قِس نفسك، المتر مئة سانتي، عندك قطعة قماش قسها، أنت ظننتها ستة أمتار، وهي متر واحد، المقياس أمامك.

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 لذلك العلم غذاء العقل، والذكر غذاء القلب، والطعام والشراب غذاء الجسم. 
 أنت أيها الأخ الكريم، بحاجة ماسة إلى أغذية ثلاثة ؛ غذاء لجسمك، هذا شيء معروف، وغذاء لعقلك، وهو العلم، غذاء لقلبك، وهو الذكر. 
 واستمع إلى قوله تعالى:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

( سورة الرعد: 28) استمع إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((إن القلوب لتصدأ، قيل وما جلاؤها ؟ قال: ذكر الله، فإذا أردت أن تطمئن، أن تستقر، أن ترتاح نفسك أن تسعد، فأكثر من ذكر الله، ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم، قالوا: بلى، قال: ذكر الله.)) لذلك نحن بحاجة إلى الذكر، كي يغذى القلب، وكي يذهب عنه القلق والخوف والقهر. 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 الآن:

﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾

 العقل يؤمن، لكن كلما رأى برهانًا جديداً وآية جديدة ازداد إيماناً، لذلك قال العلماء: الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالأدلة والآيات والروائع القرآنية، وينقص بالإهمال، إذا توقف الإنسان عن طلب العلم، فمثلاً طبيب، إذا بقي على معلومات الجامعة، فبعد عشر سنوات ينسى معظمها، يبقى على معلومات بسيطة، فالطبيب إذا لم يتلقَّ العلم بشكل مستمر فلن يواكب العصر، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، إذاً أنت بحاجة إلى غذاء للقلب:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾

 وبحاجة إلى غذاء للعقل:

﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ محصلة غذاء القلب مع غذاء العقل، وعلى ربهم يتوكلون، حال التوكل لا يعرفه إلا من ذاقه، يعني ملك الملوك، يدافع عنك، يحبهم ويحبونه.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾


‌‌‌‌‌‏‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏

.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".