تطبيق تسعة أعشار الشريعة بيد المجتمع

بقلم الدكتور الريسوني حفظه الله

لابد من تفعيل المجتمع والأفراد لمزاحمة الفساد والمفسدين. وينبغي تشغيل دور المجتمع وتشجيع المبادرات الفردية، فإذا كان الإصلاح يتلخص في أمرين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالعمل الجماعي مطلوب أولا، فلا ينبغي طرح موضوع الإصلاح على سبيل الاختيار: هل يكون فرديا أو جماعيا؟ بل الإصلاح يكون فرديا وجماعيا ورسميا وشعبيا.

والمطلوب أن تتضافر المبادرات الفردية والجهود الجماعية، فإصلاح الفساد وتحسين الحسن والوصول إلى الأصلح يكون بالمدافعة والمزاحمة، أما المقاطعة فهي تزكية للمفسدين وتمكين لهم ومباركة ضمنية لإفسادهم، فحملات محاربة الفساد التي يغيب عنها الصالحون “حلقة جديدة من الفساد فإذا كان خمسون في المائة من الأفراد يتحركون بفاعلية على نطاق محدود وخمسة بالمائة يتحركون بفاعلية جماعية فسنكون أمام ثورة إصلاح حقيقية، وعلى هذا لا يمكن التفريط في أي إصلاح سواء كان فرديا أو جماعيا”.

ومن هنا وعلى سبيل المثال فعمل أم البنين الفهرية بمبادرتها الفردية في بناء جامع القرويين، حيث أحدث الجامع نهضة ثقافية، وبارك الله في عملها “لأن مال البناء كان حلالا مائة بالمئة، وكذلك توفر الإخلاص إذ كانت تصوم مدة بنائه”.
وكذلك اليوم في كل تحرك فردي: كالجمعيات، ومقرات الأيتام وغيرها.

وفكرة الإصلاح هي هدى من الله ورسالة الأنبياء لقوله تعالى: (واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)، (وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت) ولا بد أن ينطلق الإصلاح من تزكية الإنسان وفق ما أمر به الله في شرائعه المنزلة، وجعل الإصلاح متمركزا على العنصر البشري وحفظ الضرورات الخمس: (الدين، النفس، العقل، العرض، المال)، وحفظ كرامته وخلقه.

فالإصلاح هو استغلال كل ما بأيدينا وتحت تصرفنا وجعله نافعا ومستقيما والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حقا محتجزا لأحد الناس (و ذوي السلطان الأكبر) بل هو حسب الدين الإسلامي حق وواجب على كل الناس”.

ولا فصل بين تخليق الحياة العامة والحياة الخاصة بأن يكون الإصلاح والتخليق “في شوارعنا وبيوتنا وإداراتنا ومساجدنا، والبدء من الأمور الصغيرة ثم الكبيرة، ويأتي الإصلاح الجماعي عندما يكون العمل الفردي محدودا وقاصرا.

وينبغي تحريك المجتمع فرديا وجماعيا، وبعث المبادرات الفردية ليأتي العمل المنظم (الحزب، النقابات، الكتل…) لإصلاح القضايا الكبرى والحساسة، مع ضرورة فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراعاة آدابه من حكمة ورفق وموعظة حسنة، والانطلاق من القرآن قبل السلطان في عملية الإصلاح”.

فتطبيق الشريعة أصبح مضيقا وبالتالي مشوها، فهو لا يعني قطع يد السارق ورجم الزاني فقط بل هو توفير الكرامة للسارق لئلا يسرق” والمراد بالشريعة هو كل كما جاء في القرآن والسنة “فتسعة أعشار الشريعة بإمكان المجتمع الفعال المشارك، والمهتم، أن يطبقها بدون دولة والعشر فقط للدولة، فإذا كنا نقول إن الحكومات عطلت تطبيق الشريعة فتعالوا نطبق نحن تسعة أعشارها، وإذا طبق المجتمع ما عليه فإنه سيرغم الحكومات على تطبيق العشر الباقي”.

ولتفعيل دور المجتمع في هذا الإصلاح، لابد من المحافظة على الآليات المكتسبة كالمساجد والوعاظ والخطباء واستغلال الآليات المتغيرة كالأحزاب والنقابات والمجالس الجماعية “فثلث المجتمع يكون أمام خطباء الجمعة أسبوعيا وهم أكبر هيبة وصولة من التلفاز روحيا وتربويا، فكل ما له دور يجب تشغيله فلا يجب الاستهانة بكل آلية.

ولا ينبغي الاستسلام إلى العوائق، فهي معطى طبيعي، وبالمدافعة والصبر تزول، “أرى شخصيا أن العوائق جزء من سنن الله وقدرته ودفعها جزء من سنن الله، كما أن المرض من قضاء الله، والتداوي من قضاء الله.
فالإصلاح الناجح والمضمون الاستمرار يكون بانخراط المجتمع بكل أفراده ولا يتوقف على ذوي السلطان الأكبر كما يقال، فالواجب على الصالحين “أن يكونوا صالحين في أنفسهم أولا، ويزاحموا المفسدين ثانيا بأن يتحملوا ويتولوا ويضغطوا وبغير هذا لن يكون هناك إصلاح”

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،