تدنيس الإسلام بالسياسة!

الإسلام رسالة الله الخاتمة إلى البشرية، لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتسديد خطاهم نحو ما يصلح دنياهم وأخراهم، ولتجنيبهم القدر الممكن من المفاسد، ولتعريفهم بحقائق المصالح والمفاسد، فهو جلب للمصلحة ودرأ للمفسدة، فتلك المصلحة منها ما يدركه الإنسان بعقله أو تجربته، فيؤكد له مصلحيتها، أو يبين له حقيقتها، ويدله على مصالح ما كان له أن يدركها، ويشير إليه إلى الأقدار المطلوبة من ذلك..

وتلك المفسدة منها ما يدركه الإنسان بعقله أو تجربته، فيؤكد له مفسديتها، أو يبين له حقيقتها، ويدله على مفاسد ما كان له أن يدركها..
مع إشارته إلى مراتب المصالح والمفاسد..

هذا هو الإسلام في كل أركاته وأحكامه وتفاصيله وجزئياته..
وهذا النظام هو نظام مركوز في الإنسان مفطور عليه، إلا أن نظره في ذلك محدود تعتريه الاوهام والخطأ والجهل فياتي الإسلام ليصحح ذلك ما أمكن دون قصد للوصول إلى المثالية والعصمة، ودون نزول إلى الحضيض..

وعندما نتحدث عن المصلحة أو المفسدة فهما هدفان أو غايتان لحركة إنسان، سواء كان فردا أو جماعة، وحركة الانسان متعددة تعدد ضروراته وحاجاته، فهي حركة شاملة متنوعة، يبتغي من خلالها الوصول إلى مصلحة ذلك الجانب او درأ مفسدة ذلك الجانب، ومن تلك الجوانب “السياسة” والسياسة في الأصل إدارة وتدبير وقيام وحفاظ وإيجاد وصيانة وتطوير وتجديد للمصالح، وحذر وتخفيف وتوضيح ومكافحة للمفاسد، في كل نواحي الحياة..

وبالتالي نجد توافقا بين الإسلام في نظرته العامة، وبين السياسة في عملها وتطبيقها، لذلك لا تعارض بين تلك النظرة وذلك العمل..فلا إسلام بلا سياسة..

التساؤل المطروح هنا هل السياسة تدنيس للإسلام؟
سأضرب هنا مثالا عمليا: عندما يتلطخ ثوبك أو بساطك أو أرضية منزلك بنجاسة أو اوساخ، فإنك تستخدم الماء لتنظيف ذلك، والماء في أصله طاهر، لكن مهمته هي التطهير، وعملية التطهير هذه تعرضه إلى التنجيس أو التدنيس، ورغم ذلك تستمر عملية التطهير او التنظيف إما بشكل كلي أو جزئي، ولا يقول عاقل: كيف أعرض الماء للتدنيس ويدع الاوساخ والنجاسة في محلها..

لماذا؟ لأن تلك مهمة الماء ولذلك خلق..

كذلك الأمر بالنسبة للإسلام كمنظومة إصلاحية (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) فعملية الإصلاح، هي عملية التمكين من المصلحة الحقيقية او تقريبها أو التعريف بها أو تكميلها أو حمايتها وصياتنها، وكذلك هي إزالة المفسدة أو تخفيفها أو إبعادها أو التعريف بها أو تقليلها..

هذه العملية الإصلاحية منها جانب ثابت قطعي لأن المصالح الدال عليها ثابتة، والمفاسد الدارئ لها ثابتة..
ومنها جانب محتمل متغير معروض للاجتهاد والتقدير والنظر والأخذ والرد والتجربة والاجتهاد المتواصل..

هذه العملية تعرض الإسلام إلى الاحتكاك بالمفسدة، والتلطخ بها ويعرضه إلى محاربتها ومشادتها له بشتى أنواع الحرب، هذا على مستوى الفرد مع نفسه ومحيطه، ومع الجماعة والأمة والبشرية..

وإذا نظرنا إلى الجوانب التي تناولها الإسلام في عمليته الإصلاحية، نجدها شاملة شمول حياة الإنسان كلها، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت) (ألا له الخلق والأمر)

فإذا كانت السياسة تدنيسا للإسلام، فكذلك الأمر في حديث الإسلام عن النجاسات أو النكاح والشهوات، أو عن الاموال والاقتصاديات، أو عن الحقوق والاحوال الشخصية..
فكل ذلك تدنيس للإسلام، بل تدنيسه واضح بارز جلي..

كيف نقحم الإسلام في الحمام، والكنيف والنجاسات!!
كيف نقحم الإسلام إلى الأسواق!!
كيف نقحم الإسلام في العلاقة بين الرجل والمرأة والشهوات!!
كيف نقحم قداسة الإسلام في هذه الأمور البشرية الطينية التي تعتريها الأهواء، والشهوات والمصالح الضيقة والتحايل والتأسلم والمتاجرة بالدين!!

إذا سرنا بهذا المنطلق ماذا أبقينا من الإسلام، وأين غاية الإسلام الإصلاحية، وما موقع الإسلام من حياة الإنسان، حتى الجانب الروحي والأخلاقي فيه تدنيس للإسلام بهذا المنظور، فإن الإسلام يحتك برذائل النفس من كبر وحقد ورياء وجشع وحسد ومكر وخداع!!

ماذا أبقينا من الإسلام!! إذا انطلقنا من هذا المنطلق وسرنا هذا السير؟

لذلك نعود للرسالة الإصلاحية التي أنزل من أجلها الإسلام، التي تخوض غمار الإصلاح والتعديل والتقويم والترشيد والإرشاد والتطوير والتجديد والتجويد وفق خطة مرسومة وتمييز بين الثوابت والمتغيرات وباعتبار الزمان والمكان والحال..
هذا هو الإسلام محافظا على قداسته، قائما بدوره الإصلاحي..
ولا تعارض بين القداسة وبين القيام بالإصلاح، فالمعلم لا يزيده القيام بعمله التنويري والتعليمي إلا احتراما وتقديرا..

وبالعودة إلى العنوان وهو “تدنيس الإسلام بالسياسة”
يمكن أن تنطبق هذه المقولة على شخصين:

شخص له مصالح خاصة يرى في الإسلام إزعاجا وإحراجا وتذكيرا وتنبيها وإرشادا، ومزاحمة وسحبا للبساط، فيصيح متظاهرا كيف ندنس الإسلام بالسياسة ونسقط قداسة الإسلام في مستنقعات السياسة، لندع الإسلام بجماله ورحمته وهدوئه وسلامه بعيدا عن كل تلك المعتركات، ليخلو له الجو، فيفعل ما يشاء بما يستأصل شأفة ذلك الإسلام المقدس المزعوم!!
ويحرك لذلك جمعيات وإعلاميات ومنابر وفتاوى قد يكون بعضها مدركا لذلك متواطئا وقد لا يكون..في حملة ظاهرها الحفاظ على قداسة الإسلام وطهارته، وباطنها إعدام الإسلام، او تقزيمه وتحجيمه..

وشخص آخر، هو ذلك الذي يستخدم الإسلام وشعار الإسلام ونداء الإسلام وآيات الإسلام لأجل مصالح خاصة، والوصول إلى مقاصد ضيقة من مناصب أو تحكم أو انقلاب أو غير ذلك، فهو يمتطي الإسلام للوصول، فقط، حتى إذا وصل أخذ من الإسلام كذلك ما يمكن ان يحافظ به على مصالحه ليستمر مغنمه..

وهذا لا يقتصر على السياسة فقط، بل قد تجده في الصلاة والمسجد، فكل من تظاهر بالإسلام رياء او سمعة أو لأجل مصلحة، فهو مدنس للإسلام مفسد له منجس له ملطخ له، سواء كان في السياسة أو في العبادة او في السوق أو في اي مكان يستذر فيه الشخص ثقة الناس وتعاطفهم ليقضي مآربه ومصالحه..

وقد عالج الإسلام هذه الظاهرة وهذه الحالة معالجة واضحة صريحة في مكافحته للرياء والسمعة واستغلال الدين لأجل الدنيا وغير ذلك من المعالجات لهذا المرض العضال..

وليس أي اتباع للإسلام في اي منحى من مناحي الحياة نقحمه ونشكك فيه ونحكم عليه بأنه تجارة بالدين، فهذا افتراء وكذب وبعث للشك في المجتمع..

فالإسلام دين الأمة وليس حكرا على أحد، ومن رأى غيره يتاجر بالدين فليتقدم ليعطي النموذج والأفضل (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) دون إقصاء أو بخس أو تشكيك أو ظلم..

ومن هنا نخلص بأن قداسة الإسلام وروعته لا تظهر إلا مجسدة في جميع مناحي حياة الإنسان، مفعِمة لرصيده الأخلاقي والإيماني، محافظة على ضروراته وحاجاته وكمالياته..منافحة مكافحة للحفاظ على تلك المكتسبات وصيانتها، وتطهير الحياة من شوائبها..

فعوض ان نقول (تدنيس الإسلام بالسياسة) فالقول الصحيح (تطهير الإسلام للسياسة) أو (تطهير الإسلام للحياة)
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا..

سفيان ابوزيد

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،