تحقيق لميديا بارت: نازيون جدد ينشطون داخل الجيش الفرنسي

كشف تحقيق لموقع ميديا بارت الفرنسي أن عشرات الجنود الحاليين والسابقين في الجيش الفرنسي يجهرون على مرأى ومسمع من الجميع بانتمائهم لجماعة النازيين الجدد، دون تعرضهم للمضايقة أو التسريح من الجيش رغم وجود توصية برلمانية بمتابعة من ينخرطون في جماعات اليمين المتطرف.

وقال الموقع -في تحقيق مطول مشترك بين الكاتبين سيباستيان بوردون وماتيو سوك- إنه تعاقب على الشبكات الاجتماعية عشرات الجنود والجنود السابقين الذين لا يخفون ولاءهم للأيديولوجية النازية الجديدة، مثل المدعو “آلان ف” الذي كتب على فيسبوك إنه “يجب وضع رصاصة في رأس المهاجرين”، رغم كونه عضوا في كتيبة القناصين الألبية الثالثة عشرة.

وعلى حسابه على إنستغرام، يضع هذا الجندي الشاب صورا تظهره بالزي الرسمي، وأخرى مقربة لوشم على ساعده تقول “شرفي اسمه الولاء” (Meine Ehre heißt Treue)، وهو الشعار المنقوش على أحزمة منتسبي “سرب الحماية” (SS) النازي، كإشارة إلى ولائهم لأدولف هتلر.

وعند الاتصال بوزارة الجيوش الفرنسية، أكدت أن الأشخاص الذين ذكروا في تحقيق الموقع لا يزال بعضهم في الخدمة، وقد قدمت المعلومات الواردة بشأنهم إلى رؤسائهم.

وأوضحت الوزارة أنها لا تملك الوسائل اللازمة لمتابعة منشورات موظفيها البالغ عددهم 140 ألفا عندما يكتبون على الإنترنت، خاصة أنهم لا يذكرون غالبا صفتهم العسكرية وقد يكتبون بأسماء مستعارة.

ورغم أن التحقيق الأمني يجب عليه “استبعاد أي مرشح تظهر عليه علامات ولو ضعيفة من التطرف”، فإن ميديا بارت كشفت حالة “يان ج” الذي ظهر في أكتوبر/تشرين الأول 2016 وفي مناسبات أخرى بزي يحمل شعار شبكة “الدم والشرف” (Blut and Ehre) النازية الجديدة، ولم يمنعه ذلك من الانضمام إلى الفوج الأول من فرسان المظلات في نهاية عام 2018.

شعارات وتطرف
ومن بين الحالات التي حددها ميديا بارت، حالة الرقيب في فوج المشاة البحري الثاني “روكيك ر” الذي يعرض نفسه عاري الصدر على حسابه على إنستغرام، ليحصل على الإعجاب على وشمه الذي يظهر الصليب السلتي تعلوه كلمة “أبيض”، إضافة إلى شعار “سرب الحماية” ووشم باللغة الروسية.

ومع ذلك، فقد وضع الجيش الفرنسي جهازا يفترض أن يتابع “المعلومات التي تتعلق بالتطرف المحتمل”، كما يقول تقرير بعثة تقصي الحقائق التي تشير مثلا إلى معاقبة من يحمل لحية “مشذبة بشكل سيئ” أو يقول كلمة تمييز، ولكن ماذا عن شعارات النازية الجديدة؟

وأشار التحقيق إلى أن الكشف عن منتسب آخر للنازيين الجدد يدعى “فرانسوا د” كان ممكننا قبل تجنيده وبعده، لأنه قبل شهرين من انضمامه إلى الكتيبة 13 لقناصي جبال الألب في سبتمبر/أيلول 2016، ظهر على فيسبوك في لفتة تشبه التحية النازية، وقد وضع صورته على ملفه الشخصي، مما يسهل التعرف عليه.

وبعد أن انضم فرانسوا للكتيبة -كما يقول التحقيق- لم يخف آراءه عن بعض رفاقه، كما أنه كان ناشطا في جماعة “أدلويس” (Edelweiss) اليمينية المتطرفة، وأنه شارك في هجوم على حفل موسيقي، ووُجّه له تنبيه دون أن يؤثر ذلك على مسيرته العسكرية.

وأشار الكاتبان إلى أن الصور التي نشرت عام 2015 للجندي الروسي الأصل روديون، تظهر أنه يقوم بإيماءة شبيهة بالتحية النازية، كما تظهره يرتدي قميصا رياضيا عليه صليب معقوف، ولم يثر ذلك أي أسئلة من قبل رؤسائه.

وعدد التحقيق الكثير من الأمثلة على جنود وضباط يحملون على أجسادهم إشارات نازية صريحة، مثل “تيدي م” الذي زين جسده بشمس سوداء مهيبة على كتفه وشعار “القوة البيضاء” على الذراع ثم شعار “سرب الحماية” على الصدر.

تحذيرات
وقال التحقيق إن إدارة الأمن الوطني الداخلي قدمت تحذيرا بشأن النسبة المتزايدة من الجنود أو أفراد قوات الأمن الذين انضموا إلى الجماعات اليمينية المتطرفة في خريف 2017، وكانت تشتبه بصلة نحو 50 من رجال الشرطة والدرك والجنود باليمين المتطرف العنيف.

وكان تقرير سري لوكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول) قد حذر بدوره من أن اليمين المتطرف الأوروبي يتسلح ويجند عناصر في صفوف الجيوش الأوروبية، وقد حُكم في هذا السياق على عريف بريطاني بالسجن ثماني سنوات بعد محاولته تجنيد آخرين نيابة عن مجموعة النازيين الجدد المحظورة.

وأشار تحقيق ميديا بارت إلى أن ملفات تعريف الجنود السابقين مطلوبة بشكل خاص من قبل مختلف مجموعات اليمين المتطرف، ضاربا مثالا بالجندي السابق “فالنتين د” الذي كشف التحقيق تورطه في اعتداء على ناشطة في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وقد أظهر فالنتين على حسابه على إنستغرام إعجابه ببرينتون تارانت (Brenton Tarrant) الإرهابي الأسترالي الذي قتل 51 شخصا في مسجدين في كرايستشيرش بنيوزيلندا، ووضع على ملفه الشخصي صورة تمجده مع الشمس السوداء.

وتساءل كاتبا التحقيق كيف يمكن تفسير أن الحالات العشر التي حددتها ميديا بارت التي تعتمد على مصادر مفتوحة، لم تجذب انتباه وزارة الجيوش الفرنسية، رغم وضع عدد من الجماعات تحت المراقبة بسبب انضمام جنود لها؟

ومع أن الوزارة لم ترد على تساؤلات الموقع بهذا الشأن، فإن مصدرا داخليا في الجيش الفرنسي قال إن بعضهم -دون الرغبة في تحديد عددهم- تم تحديدهم بالفعل وملفاتهم “قيد المعالجة”، إلا أن الأمر يستغرق وقتا.

وفي السياق، أشار الموقع إلى القبض على بعض الجنود السابقين، وتوجيه اتهامات لهم، كما أشار إلى تفكيك بعض الخلايا اليمينية المتطرفة، مثل خلية كان فيها طالب من مدرسة تدريب ضباط القوات الجوية خططت لأعمال عنيفة ضد المهاجرين ولاغتيالات سياسية.

العنف المشروع
وأشار التحقيق إلى ما أكده تقرير بعثة تقصي الحقائق بشأن التطرف في الإدارات العامة بأن جنودا فرنسيين حاليين وسابقين انخرطوا في التمرد بمنطقة “دومباس” (Donbass) في أوكرانيا، وأن آخرين ذهبوا إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “بدوافع قريبة من اليمين المتطرف”.

وخلال مؤتمر عقد بفرنسا في سبتمبر/أيلول 2019 تحت عنوان “الأمن الداخلي.. حالة التهديدات والآفاق”، أجمع المتحدثون على “التهديد الجهادي” الذي وقع في السنوات الأخيرة، وعلى بزوغ تيارات “تخريبية عنيفة” تتطلب تفعيل عمل إمكانيات الدولة، لا سيما أجهزة المخابرات.

قد حذر كاتب الدولة آنذاك لوران نونيز من “الفوضويين واليسار المتطرف والمناهضين للفساد”، كما حذر المنسق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب بيير دي بوسكيت دي فلوريان من “المدافعين المفترضين عن المناخ والانفصاليين الجدد”، إلا أن اليمين المتطرف لم يكد يذكر.

وقد خلص تقرير بعثة تقصي الحقائق بشأن التطرف في الإدارات العامة أن “القوات المسلحة في الوقت الحالي في مأمن من أي تطرف كبير.. لأن المؤسسة العسكرية في جوهرها ليست متساهلة، وبالتالي لا تترك سوى مساحة صغيرة للسلوك المتعارض مع خدمة الأمة وقيم الجمهورية”.

ووفقا للأرقام التي قدمتها مديرية الاستخبارات وأمن الدفاع الفرنسية للمقررين، فإن نسبة الاشتباه في التطرف، “سواء كان إسلاميا أو سياسيا” بلغت 0.05% في صفوف القوات البرية، و0.03% في البحرية.

كما أنه إذا قورنت عشرات الحالات التي كشف عنها ميديا بارت بمجموع المنخرطين في كل فروع الجيش الفرنسي، والبالغ عددهم 230 ألف عسكري، فنسبتها تكاد لا تذكر، لكن -يؤكد التحقيق- التوصل إلى وجود عشرات المتطرفين في صفوف المؤسسة العسكرية من خلال المصادر المفتوحة فقط وليس من خلال إمكانيات الدولة، يجعل بالضرورة الأعداد المكتشفة غير معبرة عن الواقع الحقيقي.

المصدر : ميديابارت

شاهد أيضاً

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل رقيب وصواريخ المقاومة تدك غلاف غزة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل رقيب احتياط في معارك شمال قطاع غزة، وفي حين تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها ومنها إطلاق صواريخ على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، تستعد قوات الاحتلال لشن عمليات في بيت لاهيا شمالي القطاع.