تحالف الذين يحبون أن تشيع الفاحشة

بقلم : محمد ألهامي

بعض الناس، منهجهم في الحياة، البحث عن “النكتة / القفشة / الإفيه”.. لا، ليس هو سريع البديهة الحاضر النكتة.. إنما أعني الذي يهتم بتوليدها والبحث عنها واستخراجها، ويضع فكره حتى يستخلصها.

في فترة ما من حياتي، كان في دوائر الأصدقاء كثرة من هؤلاء، وقد أدركتُ بعد فترة أنهم لا ينتفعون بشيء مما يُعرض عليهم، لا في دينهم ودنياهم، إذ كلما سمعوا شيئا أو نصحهم ناصح أو حدث لهم موقف تعمل طباعهم بشكل تلقائي في توليد النكتة واختراع المُزحة منه.. فلا ينتفعون بشيء!

ولأنه ليس ثمة إنسان كامل، فهم لا محالة يجدون فيمن يستمعون إليه مثلبة، إن كان في أسلوب الكلام أو في الهندام أو في أصله ومنبته أو في طريقته ومشيته أو ما شئت.

ثم وجدتُ هذا المعنى في كتاب الله تعالى، وذلك في حكاية الله تعالى عن أهل النار حين يستغيثون الله أن يخرجهم منها فيرد عليهم جلا وعلا بقوله:

(قال: اخسؤوا فيها ولا تكلمونِ إنه كان فريق من عبادي يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين

فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون

إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون)

وتأمل في لفظ القرآن، لم يقل: “سخرتم منها”، وإنما قال “اتخذتموهم سخريا”.. أي كأنهم جعلوا ذلك هَمَّهم وشغلهم ومنهجهم المستمر!!

ثم تأمل في قوله تعالى “حتى أنسوكم ذكري”.. أي أن هذه الطريقة المستمرة في السخرية صرفتهم عن المعنى وعن المضمون وعن أصل القضية، قضية الإيمان كلها.. فإذا بالأمر الذي بدأ سخرية ينتهي إلى أن تصير السخرية هي الغاية حتى ينصرف القلب عن الأمر كله.

ثم وجَدتُ هذا المعنى في قول الله تعالى (وإذا ذُكِّروا لا يذكرون * وإذا رأوا آية يستسخرون)

فهنا يأتيهم الوعظ فلا يؤثر فيهم، وتأتيهم الآيات والدلائل، فإذا بهم يبحثون فيها عن مواضع السخرية ليسخروا!!.. ولهذا جاء اللفظ “يستسخرون” أي يتطلبون السخرية ويستدعونها!

وفي بعض التفاسير لهذه الآية أنهم “يستدعي بعضهم بعضا إلى أن يسخر”.. وكنتُ حين قرأت هذه الكلمة قفز إلى خاطري ما يسمونه “التحفيل، والهاشتاجات.. إلخ”، حيث يستدعي بعضهم بعضا ليشاركوا في السخرية والاستهزاء بمن يقول الحق أو يدعو إليه!

لهذا كان من الحكم البليغة لأسلافنا رضي الله عنهم: “أدِّ النصيحة على خير وجه، واقبل النصيحة على أي وجه”.

مجلس إدارة مجموعة تحالف “الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا”، لا يهتمون في الحقيقة بضحايا التحرش والاغتصاب وقضايا حقوق المرأة.

إنما يهمهم هذا الهدف الخفي الجلي، المتفق عليه والمسكوت عنه، هدف أن تشيع الفاحشة في الناس..

ولذلك لديهم شغف، بل هوس مسعور، بتحويل كل قصة اغتصاب أو تحرش إلى معركة “لا علاقة بين ثياب الفتاة والتحرش”، لينقلب الموضوع حول حق الفتاة في التعري والتبرج، ثم يكون هذا هو صلب القضية الأساسية، ثم تشتعل معركة مع المتدينين ومع الدين نفسه لأنه لا يسمح للفتاة بهذا “الحق”، ولأن الدين صريح واضح في أن المتبرجة المتعرية شريكة في الإثم، بل وقد تكون هي السبب فيه.

وفي المعركة الأخيرة ارتفع صوت آخر جديد، حيث كانت الحادثة الأخيرة في مجتمع “متحرر، منفتح، ليبرالي، شبه أجنبي”، وبعض الفتيات وصل بها الحال إلى زيارة المُغتصب في بيته، بعد مراحل من “التساهل” في المعاملة.

وهكذا جاءتنا معركة جديدة عنوانها: “لا علاقة بين تساهل الفتاة أو حتى ممارستها الإغراء وبين التحرش أو الاغتصاب”، حتى خرجت لنا نسوية بنظرية تقول: إن الفتاة إذا كانت في لحظة الزنا برضاها ثم قررت التوقف، فعلى الرجل أن يتوقف فورا وإلا صار مُغْتَصِبًا مجرما مستحقا لأقصى العقوبة.

هنا نحن نغادر ساحة حقوق المرأة والتحرش والاغتصاب تماما، لتسفر المعركة الحقيقة عن وجهها: معركة الدين!

ففئة النسويات التي تُسَوِّق لأن الزواج هو مؤسسة عبودية، هي ذات الفئة التي تريد أن يكون الزنا حقا مشروعا مكفولا ومحميًَا بالقوانين والتشريعات..

ولا يخفى على أحد أن المرأة هي الخاسر الأوكبر -وربما: الأوحد- إذا انهارت مؤسسة الزواج وأبيح الزنا، وأوضاع النساء في أوروبا شاهد عظيم على هذا.. وهذا دليل كاشف عن أن المعركة في حقيقتها هي معركة إشاعة الفاحشة لا الدفاع عن المرأة.

حين تنقلب كل قصة اغتصاب أو تحرش إلى معركة مع الدين، نعرف مباشرة أن كل هذا الحزن والنواح ليس على المرأة المغتصبة، وإنما هو حزن ونواح لأن الفاحشة لا تتمتع بالوضع القانوني الذي يجعل من حق المرأة أن تتعرى كيف تشاء وتتساهل كيف تشاء وتزني كيف تشاء، ثم تملك دائما القدرة على مقاضاة من لا ترغب -أو من لم تعد ترغب- في ممارسة الانحلال معه!

هذا حزن ونواح لا على حقوق المرأة، ولكن على قيمة الدين ومكانته وقدره وموقعه في الحياة..

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،