تبناه العلمانيون.. الخطاب الديني الدعاية الرابحة بانتخابات إندونيسيا

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. سمعها الإندونيسيون في مقطع دعائي للرئيس الحالي جوكو ويدودو -الشهير باسم جوكوي- مع المرشح لمنصب نائبه ورئيس مجلس علماء إندونيسيا معروف أمين، وهما يلبسان الزي الديني التقليدي مع عشرات من الشباب والفتيات بحجابهن، مع التركيز أيضا على مشهد تقدم الرئيس جوكوي إماما في الصلاة في أماكن كثيرة.

وقد بثت الدعاية مع دعايات أخرى قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تجري متزامنة لأول مرة في تاريخ البلاد في الـ17 من أبريل/نيسان الجاري، واللافت أن هذا تقليد لأسلوب استخدمه بشكل مختلف فنيا مرشح المعارضة في انتخابات حكم جاكرتا قبل عامين.

قد يكون من الطبيعي أن تستخدم أحزاب ذات خلفية دينية ألحانا دينية أو عبارات تخاطب المنطلقات الدينية لمؤيديها، لكن اللافت أن الرئيس جوكوي ينتمي لحزب النضال من أجل الديمقراطية المعروف بمرجعيته العلمانية وأنه يجمع بين مؤيديه خليطا من اليساريين والقوميين والليبراليين وعامة العلمانيين، وهؤلاء ظلوا يؤيدون هذا الحزب طوال عقود مضت، بل إن غير المسلمين يشكلون 44% من نوابه في البرلمان المركزي الحالي بجاكرتا.

بل كان لافتا أن بعض المرشحين من غير المسلمين من أحزاب مختلفة أيضا يظهرون ببعض المظاهر الدينية الإسلامية كالتهنئة بيوم طلاب المعاهد الدينية من قبل مرشح مسيحي، والتهنئة بذكرى الإسراء والمعراج من مرشحة مسيحية مع لبس الحجاب، رغم أنها ظلت تنتقد التراتيب الإدارية ذات الصبغة الدينية في المحافظات، وهاجمت مصطلحات دينية عديدة في خطاباتها، في حين بدا التخبط واضحا في إستراتيجيات الدعاية للعديد من المرشحين والأحزاب.

في المقابل، كان ظاهرا تركيز مرشح المعارضة الإسلامية والوطنية الجنرال المتقاعد برابوو سوبيانتو في دعايته على قضايا الحياة اليومية والنهوض بإندونيسيا للاستفادة من خيراتها وتحقيق طموحات الشباب.

وواضح أن الأحزاب الداعمة لبرابوو، سواء حزبه حركة إندونيسيا العظمى وهو أكبر الأحزاب المعارضة في البرلمان أو الأحزاب الإسلامية، تركز في خطابها على قضايا حياتية وقضايا العدالة والثروات والخدمات، بشكل مختلف عن أسلوب التحالف الحاكم في تفاصيل ما يعد به الناخبين.

الحراك الشعبي المعارض وإسقاط حاكم جاكرتا

ويعود التغيير في خطاب الرئيس جوكوي وحزبه بإبراز المظهر الديني إلى ما لاحظه من تأثير الحراك الشعبي الإسلامي المعارض الذي اشتهر باسم حراك الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2016، الذي شهد حشودا مليونية أسهمت في إسقاط حاكم جاكرتا الأسبق باسوكي تشاهيا بورناما الشهير باسم أهوك ووصوله أخيرا إلى المحاكمة ثم السجن.

وسقوط أهوك لم يكن فقط بسبب تعليقه على احتكام المسلمين لآية كريمة في سورة المائدة في اختيار ساستهم، بل لتراكمات في نفوس المحتجين على أسلوب الحكم والإدارة لأهوك، ولغة خطابه وتعنيفه وصراخه في وجوه بعض الناس، والكلمات النابية التي كان يستخدمها أحيانا في أحاديثه، ولربما ظل حاكما لجاكرتا رغم أنه مسيحي ومن ذوي الأصول الصينية، لو خاطب الناس بكلمات هادئة ولما اعترض عليه أحد.

في البداية لم تستجب الحكومة المركزية ممثلة بالرئيس جوكوي ووزرائه لمطالب المحتجين على خطاب أهوك، الذي كان نائبا لجوكوي في حكم جاكرتا قبل أن يترك الأخير ذلك المنصب ويصعد للرئاسة عام 2014، لكن جوكوي لاحظ قوة وتأثير الحراك الذي تجاوز خطوط الأحزاب الإسلامية التي لم تكن ذات قوة دفع جماهيرية خلال السنوات الثلاث الماضية تحديدا، ومع ظهور الحراك حتى تغير المشهد في جاكرتا وامتد ليصبح ظاهرة شعبية على امتداد الجزر الإندونيسية.

يذكر أن الحراك الشعبي المعارض هذا أسهم في فوز مرشح المعارضة الإسلامية والوطنية أنيس باسويدان ونائبه ساندياغا صلاح الدين أونو بمنصبي حاكم جاكرتا ونائبه عام 2017، بدعم من حزب حركة إندونيسيا وحزب العدالة والرفاه وحزب الأمانة الوطني، والأخيران حزبان إسلاميان، وفاز أنيس باسويدان بنسبة 57.9%، وعاد هذا الحلف بين هذه الأحزاب الثلاثة وبدعم من الحراك الشعبي المعارض نفسه ليرشح برابوو سوبيانتو في هذه الانتخابات الرئاسية.

سبب وجذور التحول في خطاب الحكومة
ويعلق فخري حمزة نائب رئيس البرلمان الإندونيسي على استخدام المظاهر والرموز الدينية من قبل حزب النضال من أجل الديمقراطية الذي يقود التحالف الحاكم بالقول إن هذه “إدارة عمل سياسي فاشلة، فبعد وصول جوكوي للسلطة، استغل أصحاب المصالح الأيديولوجية ذلك المنصب في مهاجمة الإسلاميين في بداية حكمه، ولذلك واجهوا معارضة من قبل العلماء والمثقفين والناشطين في كل إندونيسيا.

ثم ظهرت تحركات تعارض الحكومة في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 والثاني من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، كانت تلك معارضة سلمية للحكومة التي كانت مدعومة من قبل أهوك حاكم جاكرتا.

وأضاف فخري حمزة في حديث للجزيرة نت في مقر البرلمان الإندونيسي “وكانت ذروة هذا الغضب حراك شعبي بالملايين، وعندها أدرك جوكوي بعد أن حسمت الانتخابات المحلية في جاكرتا وخسر حليفه بأنه قد يواجه المصير نفسه في الانتخابات الرئاسية، ولكن ورغم كل ما صدر من تخويف وتهديد للمواطنين من أنه لو فاز أنيس باسويدان بحكم جاكرتا ستكون هناك حالة من عدم التسامح، وفي ذلك تخويف للمجتمع الدولي، لكن الشعب لم يخف من ذلك واختار أنيس باسويدان”.

وانعكس هذا على جوكوي كما يقول فخري حمزة “وشعر بالحيرة بعد خسارة حليفه، وأسر مستشاروه له بالقول إننا سنخسر كما خسر أهوك، ولذلك دفعهم للتفكير في إستراتيجية لمواجهة ذلك، وقالوا له عليك أن تختار من يصدر الفتاوى ليصبح مرشحا معك لمنصب نائب الرئيس، ولذلك اختار معروف أمين رئيس مجلس علماء إندونيسيا”.

وهذا ما دفعهم، كما يقول نائب رئيس البرلمان، إلى التركيز على مصطلحات دينية وتقديم معروف أمين باعتباره خبيرا في الاقتصاد الإسلامي، لكن في رأي فخري حمزة “الجرح غائر وليس من السهل معالجته لأن الناس يعلمون ويتذكرون جيدا أنه في بداية حكم هذا الحزب أن العناصر المعادية للإسلام وللتيارات الإسلامية كانت ذات حضور، ولا يريد الناس تكرار ما حصل، لأن هذا في نظر كثيرين يهدد وحدة البلاد، التي في الحقيقة لا تعاني من مشكلة أيديولوجية”.

توزع التيارات الإسلامية بين حلفين
من جانبه، عبر الداعية الإندونيسي عبد الله جمنستيار عن قلقه مما وصفه بالتنازع بين أبناء الأمة الإسلامية في أجواء الانتخابات، وقال إنه يأمل أن يخرج الجميع من موسم الانتخابات بمزيد من الوعي، كما عبر عن قلقه من استخدام الإسلام شعارا ووسيلة انتخابية ثم التخلي عنه بعد تجاوز الغاية في الانتخابات.

وقال جمنستيار -وهو مدير لمعهد دار التوحيد في مدينة باندونغ بغربي جزيرة جاوا- في حديث للجزيرة نت إن الحراك الشعبي الذي ظهر خلال السنوات الثلاث الماضية هو نداء لامس قلوب الملايين ولم يكن لزعيم أو حزب أو منظمة جمع هذه الحشود التي جاءت لتعبر عن مطالبها وطموحاتها.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".