بين النسف والإغراق. .(1)

لا شك أن الذي بين هاتين الكارثتين العظيمتين المدمرتين يوشك أن يناله شيء من ذلك الدمار والخنق المترتب على ذينك الخطرين المحدقين، ولا شك أن حياته في خطر، وأن استمرار ذلك النسف والإغراق، قد ينهيان وجوده أو يحيلانه إلى أشلاء بالية ممزقة لا روح فيها بعد أن كانت أعضاء فاعلة مؤثرة حية في جسده القوي..

يا ترى ما هو ذلك الأمر الذي يتعرض لذينك التخريبين والدمارين؟

الجواب: إنه الإسلام..

ويا ترى ما تلكما الكارثتين العظيمتين اللتين تضغطانه وتنهشانه وتنخرانه؟

هذا ما سنحاول الإشارة إليه في هذا المقال: عوامل النسف، ومثاقل الإغراق!!

عوامل النسف:

النسف تدمير للكيان وللأركان، التي بدونها يخر البنيان، وتتحطم المرافق الصروح والمساكن، فينحط البناء أرضا فيغيب كيانه وحروفه وملامحه وجماله، وإبداعات البناة والمشيدين، فينتهي كل شيء أو على الأقل ترجع المواد التي بني بها أجزاء قد يمر عليها المار فيأخذ هذا قطعة حديد، والآخر بقايا لبنة، ويستحيل تركيبها مرة أخرى لإعادة بنائها البناء الأصلي السابق..

وهذا النسف قد يكون بالمعاول التقليدية أو بالقنابل المتطورة، وكلا الأداتين تؤديان إلى نفس المآل تخريبا وتشويها ودمارا!!

والإسلام بصفته بناء عقدي علمي فكري اجتماعي اقتصادي أخلاقي قد تعرض ويتعرض إلى عملية نسف خطيرة نشير هنا إلى أهم أدواتها في نظري وحسب تأملي:

النسف الحرفي
النسف التنويري

النسف الحرفي:

ذلك النسف الذي يريد أن يضرب عرض الحائط كل قول أو اجتهاد أو مذهب بدعوى أنه يخالف الأساس، فينهالون عليه ضربا وهدما وتشويها ونسفا، فيتسببون بذلك دروا أو لم يدروا في هدم جزء مهم من ذلك البناء الذي اجتهد أبناء هذا الدين منذ عصور متقدمة في تشييده وترصينه وتحسينه بما أوتوا من وسائل ومواد ليكون وفقا للمخطط الذي رسم له وليلبي احتياجات ساكنه، قد تكون فيه نقائص هنا وهناك لعدة أسباب واعتبارات ولكن دون أن تؤدي إلى نسفه بتلك الهمجية والبشاعة التي تدل على جهل عميق واتهام لأولئك الأعلام، ونكران للجميل..

هذا كله بدعوى السنة والسلفية والأثرية، مع تجاهلهم أن أولئك الأعلام أشد تمسكا بالسنة وأكثر سلفية وأحرص على الأثرية..وأنه لولا أولئك لما تسنن ولا تسلف ولا تآثر هؤلاء..
ويمعنون في تلك المجاهل بتشويههم بأوصاف كالأرائتية والتقليد والتعصب، ولعمري إنهم لفي تعصب وتقليد وأرائتية أشد من أولئك إلا أن الفرق بينهما أن هؤلاء ينتسبون ويأخذون عن النكرات وأولئك ينتسبون ويأخذون عن المعارف…

ولو أنهم اخترعوا لنا أصولا أو آليات آمنة يمكن ان توصلنا مباشرة إلى الأصل دون سقوط لقلنا إنهم رجال وأولئك رجال، ولكنهم مع الأسف لا أصلا أبقوا ولا فهما أجادوا…
وهذا من أشد معاول الهدم وأخطر قنابل النسف..

النسف التنويري:
هذا النسف شنع على أصحاب النسف الأول، ونعتهم بنعوت الجمود والتحجر والحرفية والظاهرية المقيتة، إلا أنه التفت إلى جهة تلك الجهود الاجتهادية والفقهية التي توصلت إليها عقول جهابذ وأعلام أماجد عبر قرون وأجيال في مجملها تبتغي موافقة المراد والمقصود والوصول إلى المطلوب، التفت إليها فقلل من شأنها واتهمها بأنها السبب في كل انحراف وتخلف وتطرف أصاب هذه الأمة، ولا خلاص للأمة من كل ذلك إلا بنسف ذلك الكنز وحذفه وطمسه، والرجوع مباشرة إلى القرآن زعموا !!، أما السنة فقسم كبير منها محكوم عليه بالإفراغ، وكل هذا بدعوى التنور والتحرر، وما هو إلا تقهقر وتنصل، ويقتحمون أسوار كثير من الثوابت تشكيكا وعبثا وتفكيكا، وهم في هذه الهجمة المغرضة المأجورة لم ياتوا بقواعد او أصول بديلة يمكن أن نعتمد عليها بدلا من مخزون ذلك التراث ونظرياته، بل يخبطون خبط عشواء المقصود هو التزهيد في ذلك المخزون، والتحقير من صلاحية الاستفادة منه.

ومن جهة أخرى يقصرون الإسلام على جانبه الأخلاقي والسلوكي الفردي والاجتماعي في بعض جوانبه فلا سياسة فيه ولا اقتصاد ولا سلم ولا حرب ولا حكم ولا قضاء فهذه كلها ملوثات لصفائه زعموا!! إذ الإسلام في نظرهم طاهر غير مطهر إما لعدم صلاحيته للتطهير أو لعجزه عن ذلك، وتبقى تلك الميادين ليعيث فيها أسيادهم بنجاساتهم بحرية ودون إزعاج !!

والناظر لكلا الفريقين الناسفين رغم تضادهما وتناحرهما، يعملان عملا واحدا ويسيران وفق خطة مآلها واحد وهو هدم صرح هذا الدين ونسف مرافقه ومنازله، دون نظر في ذلك أو تريث أو غربلة أو إنصاف، وإنما ذلك كلها عبء ومخالفة وظلامية وتقليد وعفن وتعصب ينبغي ان نتخلص منه بأي شكل من الأشكال.
فالنسف هو النسف وإن اختلفت مسوغاته..

وختاما نحن بحاجة إلى تسنن، كما أننا بحاجة إلى تنور، ولكن بصدق وتجرد وتزود وان نكون خير حامل للراية بعد أولئك الأماجد شاكرين لهم جهودهم، مستفيدين من خبراتهم واجتهادتهم بما يوافق زمننا وعصرنا، مستغفرين لهم تجاوزاتهم وزلاتهم، مجددين للوسائل ومصححين للمفاهيم،
وكل من ساهم أو دعا بقاله أو حاله في نسف صرح هذه الشريعة فهو عن التسنن في مبعدة وإلى البدعة في مقربة، وإن ادعى أثرية أو سلفية..
وكل من رمى تلك الجهود بالظلامية والتخلف والرجعية فهو إلى الظلامية أقرب وبالتعلق والتقيد ألصق، وإن ادعى تنورا وتحررا..

إلى مقال آخر نتناول فيه كارثة الإغراق..
والحمد لله رب العالمين
سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،