بنكيران..عودة إلى السياسة لن ترضي إخوانه ولا خصومه

ما إن يتحدث رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بنكيران (2011: 2017)، في السياسة حتى تتصدر تصريحاته الصحف والمواقع الإخبارية ونشرات التلفزيون.

وبقدر ما تثير تلك التصريحات جدلا ونقاشا سياسيا، بقدر ما يساهم بنكيران (64 عاما) بشكل كبير في تحريك اللعبة السياسية، التي تبدو رتيبة أحيانا.

تحدثت صحف ومواقع محلية مؤخرا عن استفادة بنكيران من المعاش الاستثنائي (راتب تقاعدي)، مما أثار جدلا حول الأمين العام السابق لحزب “العدالة والتنمية” (إسلامي)، قائد الائتلاف الحكومي.

وهو ما دفع بنكيران إلى تنظيم ندوة في منزله، أعلنه فيها مواقفه في عدد من الملفات الشائكة.

والأهم أنه أعلن خلال الندوة عودته إلى الحياة السياسية.

يمثل بنكيران رقما صعبا في المعادلة السياسية بالمملكة، إذ قاد حزبه، للمرة الأولى في تاريخه، عام 2011، إلى تصدر الانتخابات البرلمانية، ليترأس الحكومة فترتين متتاليتين.

وبينما تراجعت أسهم الإسلاميين في المنطقة، تحت وطأة التحركات المناهضة لثورات “الربيع العربي”، قاد بنكيران حزبه مجددا إلى تصدر الانتخابات، عام 2016.

** بأمر الملك

بنكيران أقر، خلال الندوة بداية الشهر الحالي، باستفادته من معاش استثنائي أمر به العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وقال: “لم أطلب المعاش، ولن أرفض من الملك أي شيء”.

وأضاف: “المعاش شرف لي ولحزبي، ومن حق أي أحد ألا يعجبه ذلك، لكن لا يجب أن ينسى إنجازات بنكيران كرئيس للحكومة”.

ويستفيد وزراء مغاربة سابقون، خاصة إن كانت مواردهم المالية ضعيفة، من معاش استثنائي، مما يثير الكثير من الجدل بين رفض وتأييد.

** رفض التقاعد الإجباري

قال عبد الصمد بنعباد، إعلامي مغربي، إن “بنكيران حسم قراره من رفض إجباره على التقاعد السياسي، وإن لم تخرج صورته سليمة مائة بالمائة كما المرات السابقة، لكن الأهم أنه انتصر للمرة الثالثة على قرار السلطة المركزية إبعاده عن التعاطي مع الشأن العام”.

وكلف العاهل المغربي، في 17 مارس/ آذار 2017، سعد الدين العثماني، بتشكيل الحكومة بدلا من بنكيران، بعد أن أخفق الأخير في تشكيلها لأكثر من خمسة أشهر.

وضمت حكومة العثماني أحزابا كان بنكيران يرفض دخولها حكومته، ويعتبرها سبب إفشال تشكيل الحكومة بقيادته.

وتابع بنعباد، في صفحته على “فيس بوك”: “فالرجل (بنكيران)أراده أكثر من 2 مليون مصوت في الانتخابات رئيسا للحكومة للمرة الثانية على التوالي، ورفضت الدولة هذه الإرادة الشعبية، ومن ثم أحالته على التقاعد الحكومي الإجباري، لكنه رفض الاستجابة للقرار”.

وتابع: “وأخيرا، من خلال الحملة الضخمة حول التقاعد الاستثنائي، حيث تجري محاولة ثالثة لإجبار الرجل على التقاعد من السياسة والشأن العام”.

واعتبر أن بنكيران “حتما رفض الاستسلام لمشيئة السلطة، قرار (العودة) لا يرضي إخوانه وخصومه على حد سواء”.

ورفض جناح في “العدالة والتنمية” تعديل لوائح الحزب، بما يسمح لبنكيران بتولي أمانة الحزب لفترة ثالثة، مما أشعل خلافات وأحدث انقسامات داخل الحزب؛ نظرا لمكانة بنكيران.

** اختباء وراء الملك

بالمقابل انتقد عمر الشرقاوي، محلل سياسي، حصول بنكيران على التقاعد النسبي، وتصريحاته الإعلامية مؤخرا.

وقال الشرقاوي، في صفتحته بـ”فيسبوك”، إن بنكيران “أكد صحة وثيقة معاش 7 ملايين (7000 دولار في الشهر)، مدة الاستفادة من شهر مارس (آذار) 2017”.

ورأى أن بنكيران أظهر “ممارسة لعبته المفضلة الاختباء وراء الملك واظهار انه مفعول به وليس فاعلا”.

ووجه حديثه إلى بنكيران قائلا: “أنا لا اتهمك بالفساد أو السرقة فلي اليقين أن يدك بيضاء، أنا لدى مشكل بسبب اعتداءك على معاشات الفقراء واستفادتك من معاشات الأغنياء، عندي مشكل مع سياساتك الفاشلة التي نؤدي ثمنها اليوم”.

وكانت حكومة بنكيران وراء قرار إصلاح أنظمة التقاعد.

وبالأغلبية، صادق مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، يوليو / تموز 2016 ، على مشاريع قوانين إصلاح أنظمة التقاعد، وبينها رفع سن التقاعد من 60 عاما إلى 63.

وأعربت النقابات عن رفضها لهذا الإصلاح، عبر تنظيمها احتجاجات، لاسيما في ظل اقتطاعات شملت أجور العمال للمساهمة في الإصلاح.

وحذر بنكيران، في أبريل/ نيسان 2016، من أنه “في حال عدم إصلاح أنظمة التقاعد في البلاد قريبا، لن يتقاضى المتقاعدون معاشاتهم بحلول 2021، بسبب العجز المالي الذي يهدد هذه الأنظمة”.

** عودة إلى السياسة

عبد الرحمان اليوسفي، رئيس الحكومة الأسبق، اختار الصمت بعد مغادرته الحكم، وعلى نهجه سار عباس الفاسي، وإدريس جطو، الذي يترأس حاليا المجلس الأعلى للحسابات، وهو يُعنى بمراقبة المال العام.

لكن بنكيران على عكس هؤلاء ما يزال يثير الجدل سواء صمت أو تحدث.

بنكيران قرر العودة إلى الشأن السياسي، بعد حوالي سنتين من إعفائه من رئاسة الحكومة، عام 2017.

وقال، خلال الندوة، إن قراره يأتي بعد “ملاحظات حول نوع تأطير المواطنين وكثرة الكذَّابين”.

وقال عبد الصمد بلكبير، باحث في العلوم السياسية، إن “هناك اهتمام من طرف المواطنين بخطاب بنكيران، عكس زعماء أحزاب آخرين، لا يكاد يلتفت إليهم أحد”.

وأضاف بلكبير للأناضول أن “بنكيران يرمز إلى فكر معين، وكان له دور كبير في الساحة السياسية بالبلاد منذ بدايته، فهو الذي ساهم في إنقاذ الحركة الإسلامية ببلاده من عدد من الأخطاء”.

وتم انتخاب بنكيران أمينا عاما لـ”العدالة والتنمية”، عام 2008، وأعيد انتخابه في 2012.

واعتبر بلكبير أن “ما يميز شخصية بنكيران هو صدقه، حيث يعتبر امتداد لرموز الحركة الوطنية ، التي كانت لا تفرق بين القيم والمبادئ والممارسة السياسية”.

وزاد بقوله: “بنكيران يتميز أيضا بالجدارة السياسية.. وصمد في مواجهة محاولة حصاره ماليا للخضوع”.

ورأى أن “الخضوع هو أن يتقدم بنكيران بطلب الاستفادة من المعاش الاستثنائي، لكنه رفض ذلك، وهم (لم يحددهم) يراقبون كيف سيكون رده”.

وشدد على أن “بنكيران رفض الخنوع، وجاءت أطراف في الدولة من أعلى المستويات للتفاوض معه، ثم قرر الملك منحه المعاش”.

وتابع أن “الحصار المالي الذي تعرض له بنكيران لم يعط نتائج.. كان هناك تضييق عليه لمنعه من ممارسة السياسة”.

عودة بنكيران إلى الحياة السياسية تزامنت مع الجدل حول استفادته من المعاش الاستثنائي.. فهل سيستمر في معترك السياسة أم سيخرج من المضمار في ظل سباق محفوف بالحواجز حتى الانتخابات البرلمانية، عام 2021؟

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *