بسبب تزامن التقويمين العبري والإسلامي.. ساحات الأقصى تشتعل للعام الثاني في رمضان

في الجمعة الثانية من شهر مضان، زحف نحو 30 ألف مصل نحو أولى القبلتين لأداء صلاة فجر، متسلحين بحب الأقصى ومؤمنين بأهمية الاعتكاف فيه وحمايته بصدورهم العارية من مخططات جماعات الهيكل المتطرفة التي أعلنت عن نيتها تقديم قربان عيد الفصح داخل ساحاته مساء اليوم.

ولم يمض وقت طويل حتى حصل اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الشريف، حيث زعم أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن من وصفهم بـ”البلطجية” الفلسطينيين قاموا بإلقاء الحجارة والمفرقعات دون مبرر لتأجيج الأوضاع في المسجد الأقصى، مشيرا إلى أن قوات الشرطة اضطرت للدخول إلى الحرم من أجل تفريقهم واستعادة الهدوء.

وفي هذا الاقتحام، سال دم المصلين في الساحات والعيادة الطبية وداخل المصلى القبلي، وذلك بسبب الاستخدام المفرط للقنابل الغازية والصوتية والأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط، بالإضافة لضرب المصلين العُزّل بالهراوات وأعقاب البنادق، مما أدى لنقل 152 إصابة إلى مستشفى المقاصد والمستشفى الميداني لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

اقتحام وتخريب
المقدسي ناصر قوس كان موجودا منذ لحظات الاقتحام الأولى في عيادة المسجد الأقصى، وشهد على تعمد قوات الاحتلال إصابة الأجزاء العلوية من الجسم وتركّز الإصابات في منطقة الرأس.

وقال للجزيرة نت “كنت شاهدا على معظم اقتحامات المسجد الأقصى، لكن اقتحام اليوم هو الأصعب والأضخم والأكثر تخريبا لمحتويات المسجد.. والوصف الدقيق لما يجري هو استباحة كاملة لأولى القبلتين”.

وأوضح قوس أنه اضطر للانتقال من العيادة إلى المصلى القبلي بعد اقتحام العيادة وتكسير الباب المؤدي منها إلى داخل القبلي، وهناك كانت المشاهد الأكثر إيلاما، حيث حوصر المصلون وحاولت قوات الاحتلال إيقاع عدد كبير من الإصابات في صفوفهم من خلال إلقاء الغاز المسيل للدموع في هذا المكان المغلق.

وتابع قائلا: “تم ضرب الجميع بالهراوات وتقييد أيدي المصلين إلى الخلف، وأجبروهم على الاستلقاء على بطونهم بطريقة مهينة، ثم اقتيدوا بشكل جماعي نحو باب المغاربة، ومن هناك إلى مراكز التحقيق. ويقدر عدد هؤلاء بـ150 معتقلا”.

رسالة الاحتلال
من جانبه، أكد مدير المسجد الأقصى المبارك عمر الكسواني أن اقتحام الأقصى كان على مرحلتين: الأولى بُعيد صلاة الفجر، وتم خلالها تفريغ الساحات بشكل كامل من المصلين، والثانية في تمام الساعة الثامنة والنصف، وتمّ خلاله اقتحام العيادة الطبية والمصلى القبلي.

وشهد الكسواني -الذي حوصر لاحقا داخل مكتبه ومُنع من الخروج منه- على عدد من الإصابات، من بينها إصابتان خطيرتان لحارسين من حراس المسجد في منطقة الرأس، بالإضافة إلى إصابتين أخليتا من العيادة بحالة خطيرة أيضا.

وفي وصفه لما يحدث في ساحات المسجد منذ الصباح، أكد أن “الاحتلال سيطر بشكل كامل على المسجد الأقصى ولا نعلم إلى أين ستؤول الأمور، لأننا نتحدث عن استخدام للقوة المفرطة نتج عنها إصابات خطيرة، وهذا يذكرنا باقتحام رمضان العام الماضي، لكننا نشهد اليوم اقتحاما أشرس واعتداء مباشرا على طواقم الإسعاف والصحفيين”.

وعن الرسالة التي أراد الاحتلال إيصالها من خلال هذا الاقتحام، قال الكسواني إنه يريد أن يقول إنه هو من يسيطر على الأقصى ويفرض المعادلة التي يريدها عليه. وأوصل المصلون في المقابل رسالة للعالم أجمع بأن الأقصى عقيدتهم، وأنهم لن يسمحوا للمتطرفين بتقديم القرابين في ساحاته.

أما المدير الإداري في مستشفى المقاصد بالقدس سليمان تركمان، فقد أوضح للجزيرة نت أن معظم الإصابات التي وصلت المستشفى تركزت في الرأس والصدر، بالإضافة لكسور في الأيدي والأرجل نتيجة الضرب بالهراوات وأعقاب البنادق.

وقال “أدخلنا لقسم الإنعاش 8 مصابين بحالة خطيرة، و14 آخرين بحالة بين متوسطة إلى خطيرة، أحدهم أُدخل إلى غرفة العمليات بعد فقدان عينه بإصابة مباشرة، كما سرّحنا 30 مصابا تم علاجهم من كسور في الأيدي والأرجل”.

من جهته، قال الأكاديمي ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المسجد الأقصى سابقا عبد الله معروف، إن مجرد رؤية استعداد قوات الاحتلال لتفريغ 30 ألف مصل أدوا صلاة الفجر في الأقصى، يدل دلالة واضحة على أن الاحتلال لديه نية مسبقة لتفريغ الأقصى من المصلين، وعلى الأرجح تمرير قضية ذبح القرابين داخله، وهنا منبع خطورة ما جرى اليوم.

طريقة مفزعة
وتابع الأكاديمي الفلسطيني أن اقتحام المصلى القبلي وتصويب السلاح بهذه الطريقة المفزعة على المصلين يثبت أن سلطات الاحتلال مصممة على تنفيذ مخطط الجماعات المتطرفة التي تسيطر بالفعل على شرطة الاحتلال، لتمكينها من تقديم القرابين في الأقصى ابتداء من مساء اليوم.

وحول المطلوب الآن، أكد معروف على ضرورة البقاء داخل الأقصى والإصرار على عدم السماح لسلطات الاحتلال بالاستفراد به، وعلى التصعيد الشعبي في وجه محاولات تفريغه وتسهيل عملية ذبح القرابين واقتحامات المتطرفين له.

وضمن أولى ردود الفعل الخطيرة تجاه ما حدث في المسجد الأقصى اليوم، نشر المدير السابق لاتحاد منظمات الهيكل يعقوب حييمان على صفحته في فيسبوك، منشورا جاء فيه “هناك خياران فقط في جبل المعبد: إما العنف الإسلامي وحماس في جبل المعبد، أو قربان الفصح داخله، لا وجود لشيء في الوسط، ونحن من نقرر”.

بدورها أعلنت شرطة الاحتلال أنها اعتقلت 300 مصل من المسجد الأقصى مع نهاية اقتحامها له.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.