اليساريون في الغرب

“انظر إلى هذه الصورة! هل رأيت هذا الذي تشيد بيه وتحترمه؟ ها هو يخرج في مسيرة لدعم الشواذ ويرفع ألوانهم. كنت أحترمه مثلك في الماضي، أما الآن فقد سقط من نظري” هكذا أرسل لي أحد الأصدقاء معلقًا على صورة رآها لأحد النشطاء اليساريين في الغرب والمعروف بمواقفه المدافعة عن القضية الفلسطينية وهو يشارك في مسيرة من مسيرات الفخر التي ينظمها الشواذ سنويًا في العواصم والمدن الكبرى في الغرب. لم أندهش بالطبع من صدمة هذا الصديق الذي يعيش في بلاد المشرق لأنه لا يعرف الخلفيات الفكرية والثقافية لليسار في الغرب وبالطبع لم يحتك بهذا الصنف الغريب – على الأقل بالنسبة إليه – من البشر.

اليساريون في الغرب مختلفون تماما عن نظرائهم في بلادنا حيث هؤلاء الأخيرون – أو غالبيتهم إن ابتغينا الإنصاف – من الصعب أن تجد لهم مبدأً ثابتًا أو موقفًا واضحًا فهم تارة شيوعيون وأخرى تقدميون وثالثة حداثيون ورابعة ليبراليون وخامسة علمانيون ولا تجد شيئًا يجمعهم إلا مناهضة الإسلام وشرائعه ومناكفة الداعين إليه. أما في الغرب فالأمر يختلف تمامًا، هم نموذج فريد ربما نراه متناقضاً إذا قيمناه وفقًا لثقافتنا وأعرافنا ولكنهم يرون أنهم متسقون مع أفكارهم ومبادئهم.

على المستوى الشخصي لا توجد عندهم قيود أو محظورات فكل شيء عندهم مباح طالما لم تضر الغير، لكنهم في المقابل يتصفون بالشهامة ويقفون معك وقت الشدة ووقت الحاجة لهم
هم دائمًا مع الحريات سواء حرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية أو حق المرأة في الإجهاض وحتى ممارسة العلاقات الجنسية غير الطبيعية والمحرمة دينيًا وكذلك النظر إلى ممارسيها كأقلية مضطهدة تستحق المساندة والدعم تمامًا كالأقليات الدينية والعرقية الأخرى. هم ينطلقون من مبدأ أنها كلها حقوق وحريات لا تتجزأ حتى أنهم لا يرون في امتهان الدعارة عيبًا أو شيئًا يشين من تفعله. ببساطة هم يرون أنك حر في نفسك وفيما تفعله طالما لا تضر الآخرين.

في المشرق نحن لا نستوعب ذلك ونعده تناقضًا لأن الأخلاق والمبادئ عندنا لا تتجزأ ومنبعها واحد هو الدين والثقافة الإسلامية التي تشمل حتى غير المسلمين الذين يعيشون في البلدان ذات الغالبية المسلمة، لكن بالنظر إليهم وهم لا يؤمنون بديننا ولا يشتركون معنا في قمينا وموروثنا الثقافي يمكن أن نتفهم – ليس بالضرورة أن نتفق مع – نظرتهم وتقييمهم للأمور.

على المستوى الشخصي لا توجد عندهم قيود أو محظورات فكل شيء عندهم مباح طالما لم تضر الغير، لكنهم في المقابل يتصفون بالشهامة ويقفون معك وقت الشدة ووقت الحاجة لهم. ينظرون للمتدينين والمسلمين في القلب منهم بالطبع على أنهم أناس سذج ما زالوا يعيشون في عالم خيالي من الأوهام والخرافات ولكنهم أيضًا على استعداد للدفاع عنك وعن حريتك في الاعتقاد وممارسة شعائر دينك حتى آخر نفس في حياته حتى أن بعضهم قد يتطوع للمجيء إلى منزلك أو مقر عملك لتوصيلك إلى صلاة الجمعة وانتظارك حتى تنتهي من الصلاة ليعيدك مرة أخرى.

هم يرون أن الإنسانية قد تجاوزت فكرة الأديان وأنها – أي الأخيرة – هي السبب الأول في الحروب والنزاعات حول العالم – وهو بالمناسبة ادعاء غير صحيح تاريخيًا وإحصائيًا – حتى أن أحدهم قال لي يومًا “أحلم بيوم يخلو فيه العالم من الحروب ومن الأديان”. هم أيضًا أكثر الناس دفاعًا عن حقوق الأقليات واللاجئين السوريين والقضية الفلسطينية. أيضًا قضايا البيئة وحقوق الأجيال القادمة تحتل الصدارة من اهتماماتهم حتى أنهم يطرحون في بعض الأحيان حلولًا أو اقتراحات ربما يراها البعض غير واقعية.

تفاجأت بأحدهم يومًا يقول لي “أنا لا أعترف بهذه الحدود والقوميات ويجب أن تكون كل البلاد مفتوحة لكل البشر يتنقلون بينها كيفما يشاءون” رددت عليه بأن ما يتحدث عنه هو مبدأ إسلامي صميم وكنت أقصد النص القرآني “والأرض وضعها للأنام” بمعنى كل الأرض لكل البشر دون قيود أو حدود، هم صنف عجيب من البشر لا يفهم تركيبته إلا من عاش في الغرب وخالطهم، ولا أنكر أني أدعو للبعض منهم بالهداية للإسلام لما ألمسه فيهم من خير فالإسلام أشمل وأعمق وأكثر توازنًا مما يؤمنون به ويعتقدون أنه الصواب.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".