المغرب: حقوقيون يتهمون جهات نافذة بالسعي للعودة إلى ما قبل الانفتاح في مجال الحريات

تشغل الحريات وحقوق الإنسان في المغرب مختلف الأوساط السياسية والحقوقية، فالدولة تحاول أن توازن بين المقاربة الأمنية والحقوقية لتدبير الاستقرار في البلاد وعدم الخروج بها نحو المجهول، والحقوقيون والسياسيون يؤكدون أن المزيد من الحريات وترسيخها هو الضمان لهذا الاستقرار. وإذا تغلبت المقاربة الأمنية فان الاستقرار يكون هشا والانفجار يأتي ليحرق الأخضر واليابس. ويستدلون بالدول المجاوزة شمالا أو شرقا، حيث أدت الحريات وترسيخ الديمقراطية في اسبانيا والبرتغال نحو استقرار البلاد وتقدمها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدت المقاربة الأمنية في الجزائر وتونس وغيرها من دول الإقليم إلى انفجارات لم تهدأ بعد ودفعت بالبلاد نحو المجهول.
ويقر الحقوقيون أن المغرب عرف خلال السنوات السابقة تقدما في مجال الحريات، إن كان عبر سن القوانين أو الحد من الانتهاكات، لكن كل ذلك لم يترسخ وما زالت جهات نافذة تسعى لإغلاق هذا القوس الذي فتح والعودة إلى سنوات ما قبل الانفتاح، إن كان من خلال انتهاكات ترتكب هنا أو هناك أو عنف تستخدمه السلطات ضد احتجاجات اجتماعية سلمية، وآخرها كان العنف المفرط الذي قابلت به السلطات احتجاجات الأساتذة المتعاقدين، أو من خلال استخدام القضاء لتكميم الأفواه وملاحقة الناشطين والصحافيين والتي كان آخرها الحكم على أربعة صحافيين وبرلماني بالسجن والغرامة المالية لنشرهم أخبارا صحيحة على خلفية نشر الصحافيين نقاشات برلمانية حول قانون التقاعد 2016 وتحميل البرلماني مسؤولية تسريب هذه النقاشات.

توظيف القضاء لتصفية حسابات سياسية

وقال الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان (يضم 21 منظمة وهيئة حقوقية مغربية) انه تلقى «بكثير من الاستنكار الأحكام الصادرة يوم 27 اذار/مارس 2019عن المحكمة الابتدائية في الرباط، بالسجن لمدة ستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة عشرة آلاف درهم، في حق كل من المناضل الكونفدرالي المستشار عبد الحق حيسان بتهمة تسريب مداولات لجنة تقصي الحقائق بالبرلمان، والصحافيين الأربعة عبد الحق بلشكر، مدير مكتب «أخبار اليوم» في الرباط، ومحمد أحداد، صحافي في يومية «المساء» وكوثر زاكي وعبد الإله سخير الصحافيين في الموقع الإخباري «اليوم 24» بعد اتهامهم بـ»نشر أخبار تتعلق بلجنة تقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد».

أحكام جائرة تضرب حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وخاصة الحق في الوصول إلى المعلومة

وأضاف الائتلاف في بيان أرسل لـ»القدس العربي» أن هذه الأحكام تأتي «في ظل ظرفية تؤكد مجددا التراجعات التي تعرفها الحقوق والحريات في بلادنا، والتي يتم فيها توظيف القضاء لتصفية الحسابات السياسية مع كل الذين ما زالوا يقاومون مشروع الاستبداد والفساد، ويناضلون من أجل دولة الحق والقانون، دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان».
واعتبر «هذه الأحكام جائرة وتضرب في الصميم حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وخاصة الحق في الوصول إلى المعلومة» وأكد «إدانته الشديدة لهذه الأحكام الجائرة التي جاءت على خلفية ما قام به المستشار الكونفدرالي عبد الحق حيسان وعدد من رفاقه في مجلس المستشارين من طرد أحد مجرمي دولة الأبارتهايد الصهيونية بيريس عمير من قاعة البرلمان، الذي تمت دعوته من طرف مكتب هذا الأخير لحضور لقاء برلمانات الدول المتوسطية، في تحد سافر للشعب المغربي الذي سيظل مساندا لنضال الشعب الفلسطيني إلى أن ينتزع حقوقه الثابتة والمشروعة في الاستقلال والعودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على كامل التراب الفلسطيني، وكذا على خلفية حصار واستهداف الصحافيين الذين ما زالوا يصرون على الاضطلاع بأدوارهم في تعميم المعلومة ونقل الأخبار للرأي العام، واشراكه في كل ما يرتبط بالشأن العام».
وجدد تضامنه الكامل مع المناضل الكونفدرالي المستشار عبد الحق حيسان ومع الصحافيين الأربعة عبد الحق بلشكر، ومحمد أحداد، وكوثر زاكي وعبد الإله سخير، في محنتهم التي هي محنة كل المدافعات والمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب. وطالب الدولة بالكف عن القمع ومصادرة الحقوق والحريات، والإسراع في الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وإلغاء كافة المحاكمات ذات الطابع السياسي والنقابي، وضمنها ملف عبد الحق حيسان والصحافيين الأربعة.
كما دعا الائتلاف «مختلف القوى المناصرة لحقوق الإنسان إلى الاصطفاف إلى جانب ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وبلورتها لبرنامج نضالي لوقف التراجعات التي يشهدها المغرب، وتوسيع فضاء الحقوق والحريات».

القوة ضدّ محتجين مسالمين

وفي رسالة لرئيس الحكومة المغربية الدكتور سعد الدين العثماني طالب الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان بإقالة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت «لأنه استعمل القوة غير المتناسبة ضدّ محتجين مسالمين ولم يحترم الدستور الذي يمنع ممارسة كل وسائل العنف والتعذيب». وذلك على خلفية التعنيف الأمني لوقفات ومسيرة أساتذة التعاقد في مجموعة من المدن المغربية ودعا في رسالته للعثماني، الحكومة إلى تقديم «اعتذار علني للمواطنين والمواطنات وجبر ضرر المصابين وعدم تكرار ما حدث».
وجاء في الرسالة التي ارسلت لـ»القدس العربي» أن قوات الأمن شنت هجومها على مواطنين محتجين من نساء ورجال التعليم، واستعملت في هجومها أشكالا من العنف والضرب بالعصي الخشبية وخراطيم مياه، وتسببت في إصابات لعدد منهم بجروح متفاوتة الخطورة» وحملت العثماني «المسؤولية عن الأوامر التي صدرت لقوات الأمن للاعتداء على المواطنين والمواطنات المذكورين بمقتضى القوانين المعمول بها».

قوات الأمن شنت هجومها على مواطنين محتجين من نساء ورجال التعليم

وقال الائتلاف إن المحتجين تم «قمعهم دون سبب مشروع سوى أنهم كانوا مرابطين بكل هدوء وسكينة بهدف تنبيهكم لحل مشاكلهم ومعالجة فشل سياستكم تجاههم بوصفهم نساء ورجال التعليم، الذين يعيشون أوضاعا مهنية واجتماعية تهدد مستقبلهم ومستقبل أبناء المغاربة في المؤسسات التعليمية».
وأضاف «لقد أمرتم بالتدخل العنيف ضد مواطنات ومواطنين عُزل، وأمرتم بالتدخل القوي ضدهم ليلا، دون أن تهدد تظاهرتهم لا النظام العام ولا الأمن العام ولا سلامة المواطنين والمواطنات، وهو إجراء صدر عنكم وعن وزير الداخلية في حكومتكم يُعتبر بحكم القانون اعتداء وإساءة لاستعمال السلطة وإيذاء متعمدا يمكن أن يصل أحيانا إلى درجة التعذيب وسوء المعاملة، وهي كما تُعلمكم الشرعية الدولية لحقوق الإنسان أمور ممنوعة ومحرمة عليكم بوصفكم سلطات عمومية».
وحث الائتلاف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، على «الكف عن الإفراط في استعمال القوة تجاه المواطنين والمواطنات في الشارع العام» ودعاه إلى تقديم مشروع قانون «يمنع التعنيف والاعتداء وضرب المواطنين غير المسلحين المحتجين في الفضاء العام، ما دام أن ما يسمح به القانون هو معاينة المخالفة وتحرير محضر وإحالته على النيابة العامة ذات الاختصاص».
وأضاف الائتلاف الحقوقي في رسالته «نطلب منكم الانتباه لكي لا تثيروا على الوطن فتن المواجهات بين المواطنين وقوات الأمن، التي لها في دولة القانون مهام نبيلة منها حماية النفس والمال والأرض والحريات، متمنين أن توجهوا قوتكم وأوامركم وانشغالكم نحو إنقاذ الأوضاع من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحقوقي ومن كل الأزمات التي يتخبط فيها المجتمع، من أجل إيجاد حلول حقيقية لمعاناة الإنسان وحيرة الشباب وآلام المهمّشين وبؤس المعطلين والفقراء» وقالت الرسالة «كفى. وإذا لم تكونوا في مستوى المسؤولية المنوطة بكم فليس لكم إلا تقديم استقالتكم بسبب فشلكم في مهامكم التي انتدبتم لأجلها».

الهجوم على المكتسبات الحقوقية

وفي ندوة نظمها الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان تحت عنوان: «الوضع الحقوقي الراهن ومهام الحركة الديمقراطية» قالت خديجة الرياضي، منسقة الائتلاف والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن الهجوم على المكتسبات الحقوقية المنتزعة بعد نضالات طويلة وتضحيات المواطنين، يضع تحديات كبيرة أمام الحركة الديمقراطية، كما يضع الحركة الحقوقية أمام مسؤولية الدفاع عن المكتسبات، وجعل الدولة تحترم التزاماتها وتنفذ ما تصادق عليه من اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان.

الدولة تحاول أن توازن بين المقاربة الأمنية والحقوقية لتدبير الاستقرار في البلاد

وأضافت أن القضاء دائما ما استعمل لتبييض الانتهاكات الممارسة ضد معتقلي الحركات الاجتماعية والسياسية، عبر محاكمات فيها ضمانات المحاكمة العادلة، والتي تنتهي غالبا بأحكام خيالية.
وقال الناشط الحقوقي عبد الرحيم الهندوف، إن المغرب وعبر كل الحركات الاجتماعية والاحتجاجات التي عرفها منذ بداية الستينيات إلى يومنا هذا، مر بنوعين من الاحتجاجات الاجتماعية، الأولى قادتها الأحزاب والهيئات السياسية والتي اعتبر أنها لم تنجح أو كان نجاحها جد محدود، والثانية قادها الشعب والشباب على وجه الخصوص، وهي الحركات الاجتماعية التي وصفها الهندوف بالنضالات الهشة السهلة «التكسير» في بعض الأحيان، مثل حركة 20 فبراير، الشبابية والتي انطلقت في سياق الربيع العربي 2011 والتي شكلت نقلة نوعية في النضالات الاجتماعية والسياسية، والتي علق عليها المغاربة آمالا كبيرة قبل أن تضعف مقارنة مع بداياتها.
وأوضح الهندوف، أن التجربة الاحتجاجية وتوالي الحركات الاجتماعية في المغرب، أصبح يستوجب شكلا جديدا يجمع الشعب والقيادات الحزبية والهيئات السياسية، ليستفيد كل طرف من الآخر، وربط الاجتماعي بالسياسي لتحقيق المطالب.
وأكد النقيب عبد الرحمن بنعمرو، أن المغرب عاش وما زال يعيش على وقع الاعتقالات السياسية، وأنها أصبحت تستعمل كأداة لإسكات الأصوات المطالبة بالحقوق أو المعارضة، منتقدا استعمال الأمن في القمع عوض حمايته وحفاظه لأمن البلاد. وقال إن انهاء مسلسل الاعتقالات السياسية وظروفها غير الإنسانية وغير القانونية، يستوجب منح استقلالية للشرطة القضائية وجعلها تابعة لوزارة العدل وتوسيع مجال حقوق الإنسان وادخالها في الدستور، بالإضافة إلى الالتزام بسيادة القانون من قبل القضاء وانهاء قضاء الأوامر.
وشدد النقيب بنعمرو، على ضرورة تعبئة المنظمات الحقوقية للجماهير من أجل تغيير موازين القوى، عبر تعريفهم وتحسيسهم بحقوقهم وقدرتهم على تغيير الواقع وفرض سيادة القانون وتحقيق المطالب ومحاسبة المسؤولين والزيادة من حرية التعبير، لنشر التوعية والمساهمة في قيادة المعارك الاجتماعية والوصول إلى مجتمع الديمقراطية والحقيقية.

توظيف القضاء لتصفية الحسابات السياسية مع الذين يقاومون مشروع الاستبداد والفساد

وقال الفاعل الحقوقي والسياسي خالد بكاري، إن الحركات الاجتماعية العفوية الشعبية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، أجبرت السلطة على تحقيق مطالبها، والتي يبقى دستور 2011 أهم أمثلتها والذي أكد أن حركة 20 فبراير كانت أولى أسبابه، بالإضافة لخفض أسعار بعض المنتوجات عقب حملة المقاطعة التي قادها المغاربة ضد بعض المنتوجات والشركات.
وشدد بكاري، على أن الحركات الاجتماعية كيفما كان نوعها أو سبب تكونها، يمكنها أن «تزعزع السلطة وتحرك الواقع الجامد» والتحول من حركة اجتماعية إلى حركة تغييرية حقيقية.
نقاش يتواصل، والحريات في مد وجزر، نحن لسنا دولة ديمقراطية وأيضا لسنا دولة استبداد يكررها دائما مصطفى الرميد نائب رئيس الحكومة المغربية المكلف حقوق الإنسان، وهي مقولة تعني ان الصراع مستمر، يتأجج أحيانا وأخرى يهدأ، لكنه يدفع دائما إلى المزيد من التفاعل من أجل المزيد من التقدم في ميدان الحريات وحقوق الإنسان وترسيخها قانونيا وممارسة.

شاهد أيضاً

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل في 7 أكتوبر

صرح الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الإثنين، إن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ميجر جنرال أهارون هاليفا، استقال، وإنه سيترك المنصب بمجرد تعيين خلف له.