المسجد الصغير في حيفا.. معركة صمود حفاظا على ما تبقى من الأوقاف الإسلامية

حيفا- ما زال المسجد الصغير (أو المسجد الأبيض، كما يسمّى أيضا) عند مدخل ميناء حيفا، يقف صامدا في وجه المخططات الإسرائيلية المستجدة التي تستهدف المقدسات الإسلامية والعربية في المدينة المحتلة منذ نكبة عام 1948.

ويخوض هذا المسجد فصلا جديدا من المخططات الإسرائيلية لمصادرة وطمس الوجود العربي، وإحلال الوجود اليهودي مكانه.

وهو يشكّل، مع ما تبقى من المساجد والمعالم التاريخية التابعة للأوقاف الإسلامية، الجذور العربية والفلسطينية لحيفا التي كانت منذ النكبة محطّ أطماع المؤسسة الإسرائيلية التي تمنع الفلسطينيين والجمعيات المعنية بشؤون الأوقاف من صيانتها وترميمها.

بل إن هذه المعالم كانت عرضة للمصادرة وإحلال المشاريع التجارية والاقتصادية الإسرائيلية على أنقاضها، وهو ما يواجهه مؤخرا المسجد الصغير الذي تعرض للمصادرة في سبعينيات القرن الماضي بموجب “قانون أملاك الغائبين”.

مخطط تجاري على أرضه
وفي هذا الإطار، تُحرك بلدية حيفا مخططا لإقامة أبراج تجارية وسكنية بارتفاع 27 طابقا، و4 طوابق تحت الأرض، في محيط المسجد الصغير، وعلى أراضٍ وقفية تابعة في الأصل للمسجد المهدد بالطمس والاندثار.

ويقع المسجد الصغير في قلب البلدة القديمة لحيفا، حيث كان السوق التجاري والتاريخي للمدينة الساحلية التي استقبلت عبر الميناء وسكة الحجاز المتاخمة للبحر البضائع من سوريا ولبنان والعراق وتركيا ومصر قبل النكبة.

ومن هنا، كانت تُحمّل البضائع والسلع والمنتجات حتى ساحة الحناطير القريبة التي أطلقت عليها إسرائيل “دوار باريس” إلى المدن والقرى في باقي فلسطين.

استهداف وطمس
وفي ظل الهجمة الشرسة على المقدسات والأوقاف والمباني الفلسطينية التاريخية، كان لـ “لجنة مُتولي وقف الاستقلال” في حيفا الدور الهام في الكشف عن المخطط الذي يستهدف المسجد الصغير وعقاراته وآخر ما تبقى من أرضه، وهي تتابع مصير أملاك الأوقاف الإسلامية، وتضم في عضويتها عددا من المحامين والمدافعين عن المساجد والأراضي الوقفية المهددة بالمصادرة في المدينة.

يقول عضو اللجنة عروة سويطات للجزيرة نت إن المخطط الذي تم تجميده مؤقتا وبفضل جهود لجنة “متولي وقف الاستقلال” يهدف لإقامة فنادق ومكاتب تجارية بالإضافة إلى بناء 258 وحدة سكنية، علما بأن الأرض التي سيقام فوقها المشروع وقف إسلامية مصادرة.

وأوضح سويطات أن الحفريات من شأنها أن تهدد المسجد وتشكل خطرا عليه وعلى أساساته، كما أن المخطط سيقطع أي تواصل وامتداد جغرافي للمقدسات الإسلامية والعربية والعقارات الفلسطينية في البلدة التحتا لحيفا.

مصادرة وحصار
وبسبب موقعه الإستراتيجي المتاخم لميناء حيفا، واعتباره شريانا رئيسا للمواصلات التي تربط البلدة التحتا عبر شارع مسجد ومقبرة الاستقلال في حي الهدار وحي الحليصة المجاورين، كان المسجد الصغير، الذي بناه القائد الفلسطيني الظاهر عمر عام 1761، يُعتبر من أقدم الأوقاف الإسلامية في حيفا، وقد تعرض للهدم ومصادرة عشرات الدونمات من أراضيه، وجرى إغلاقه من السلطات الإسرائيلية بعد النكبة.

يقول الشيخ فؤاد أبو قمير المسؤول عن أوقاف مسجد الاستقلال في حيفا “بعد تحرير مسجد الجرينة في حيفا من صفقة هدفت إلى بيعه لشركة تجارية إسرائيلية عام 2008، تم وضع المسجد الصغير في دائرة الاستهداف، والإعلان عنه معلم تاريخي”.

وحسب أبو قمير، طالت المصادرات الإسرائيلية مسجد الحاج عبد الله أبو يونس في حي الحلّيصة، ومقام الخضر الذي حوّل إلى كنيس، ومقام الشيخ عيسى، ووقف الخطيب الإسلامي.

منع الصلاة والترميم
ويقول الشيخ أبو قمير إن المسجد الصغير يشكل حلقة وصل بين مختلف المقدسات والأوقاف الإسلامية بالبلدة القديمة في حيفا. وفي محاولة لعزله، قررت السلطات الإسرائيلية حرمان أهالي المدينة من إقامة الصلاة فيه، ومنعت لجنة “مُتولي الوقف” منذ عام 2012 من ترميمه وصيانته، حيث أحيط بمبانٍ وأبراج لحكومة الاحتلال، ومجمع للمحاكم، وكبرى شركات التأمين والاستثمارات العقارية اليهودية.

لم تتوقف المخططات على الطمس، كما يقول أبو قمير “بل عُزل المسجد الصغير عن مقبرة ومسجد الاستقلال المجاور، عبر شبكة طرق ومبنى تابع لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وهي مشاريع أقيمت على أراضٍ وقفية، وفوق ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.

صفقات مزورة
رغم المخططات الإسرائيلية، تمكنت لجنة “متولي وقف الاستقلال” بحيفا السنوات الأخيرة من إبطال عدد من الصفقات المزورة التي حاولت سلطات الاحتلال عقدها مع سماسرة، لوضع اليد على عقارات الوقف الإسلامي وبيعها بالمزاد العلني للشركات اليهودية.

وتمكنت اللجنة عام 2016 من تحرير واستعادة حواصل سوق الخردة (مخازنه) ومقبرة الاستقلال الفوقا ووقف مسجد الاستقلال، وهي عقارات وأراضٍ وقفية كانت عرضة للنهب ومحط أطماع الشركة التجارية اليهودية.

كما تم إبطال صفقة مزورة لبيع مسجد الجرينة، واستعادة مقبرة الياجور الإسلامية، وتحرير 13 دونما من مقبرة القسام في قرية “بلد الشيخ” القريبة من حيفا.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".