المدخلية نتاج السلفية

ملحوظة: كاتب هذا المقال، نشأ في بيئة سلفية، ثم من الله عليه بالتعرف ومخالطة شتى التيارات الفكرية والعلمية الحديثة والقديمة، والأخذ منها والاستفادة منها، وما زال يسدد ويقارب ويقع وينهض، ويتعلم، نسال الله التوفيق والسداد والإمداد

مشكلة التيار السلفي بأصوله، أنه ميدان وبيئة صالحة لانتشار داء التبديع والتكفير، والاستعلاء والاستاذية والإمساك بزمام الحقيقة، وإعطاء الدروس، وتبني الحق، واعتبار ما ذهب إليه هو المقياس، وهو النموذج والمنوال، عليه يقاس اقتراب الآخر من الحق او ابتعاده، وتعظيم علماء السلفية وتلميعهم، وحصر السمية في لحومهم دون سواهم من العلماء، وازدراء باقي المذاهب والتيارات، واستصغارها، والتشكيك في صلاحها وصلاحيتها، واعتبار التيار السلفي هو الايقونة التي ينبغي ان يجتمع إليها الجميع، والمحور التي ينبغي ان يتمحور عليه الجميع، والكعبة التي يجب ان يطوف بها الجميع، مع تعصب وانفلات في الجرح والإمساك بمفاتيح الإدخال والإخراج إلى ومن أهل السنة والجماعة، واعتبار انهم فاعلين وليسوا مساهمين في الشأن الدعوي والعلمي، وأن معهم الإطلاق وليس النسبية..

هذه الأمراض العضال لاشك بأن كل التيارات الأخرى فيها منها نصيب، عند الصوفية وعند الإخوان، وعند التبليغ، وعند غيرهم، إلا أنها ضيقة المجال، او فردية، أو ناتجة عن انفعال أو رد فعل، أو خلل في الفعل لا في الفكر، وأقول هذا بحكم الدراسة والمخالطة..
اما التيار السلفي فهي فيه متأصلة، نابعة من أصول المنهج، وأصول الفكرة..

هذه الأمراض العضال هي إشكالات معقدة تعقيد (الصابْرة) تحتاج من العقلاء منهم، والحكماء منهم، ان يقفوا وقفة حاسمة للنظر في هذه الامراض، واسبابها ودوافعها وخطورتها ومآلاتها، ومفاسدها، وأن يناقشوها مسألة مسألة، وملفا ملفا، ونقطة نقطة، حتى يكون العلاج في مكمن الداء وأصله، فتغيب بالتدريج آثاره وأعراضه..

فنجد التيار السلفي أكثر انشطارا وانقساما وتشظيا..
لماذا؟
لانه بدأ اولا باسم الشيخ الفلاني، فالحق في العقيدة والمنهج والفكر والتربية والفتوى محصورة فيه، او في شيوخ قلائل في العالم، ذلك الشيخ يصبح له اتباع وتلاميذ، فلخلاف جزئي او فرعي والذي يعتبر عندهم من الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها، واحيانا قد يكون الخلاف ماديا او مصلحيا، يؤدي ذلك إلى انقسام ذلك التيار عن ذلك الشيخ الذي ربط تياره به وبشخصه، فيصبح لدينا تياران، وثلاثة واربعة وخمسة وهلم جرا، وكل واحد من هؤلاء يبدع الآخر ويسفهه، ويحتقره، ويتآمر عليه ويفتي بهجر أفراده، كل ذلك باسم نصرة الدين والسنة والمنهج السلفي..
هذا فيما بينهم.. اما تبديع غيرهم، الأشاعرة والإخوان والتبليغ والصوفية فهذا من باب اولى وأحرى، وهو دين يدينون الله به..

ومن آثار تلك الأدواء التيار المدخلي: الذي أخذ أصول الاستعلاء واستحواذ الحق، والنيل من المخالف، والانبطاح للظلمة، واحتقار كل الاعمال والتيارات، وعدم التورع في إلقاء التهم، والظنون وأقذع الألفاظ على كل مخالف، والانفلاخ في التبديع، بل والتكفير، إلى غير ذلك من الأسقام الجسام، التي أخذت اصولها من أصول التيار السلفي، والمنهج السلفي..

وهنا لا اتحدث عن كونه صنيعة مخابراتية، او استعمال أمني، فهذا وإن كان، فإنه وجد القابلية لذلك، ووجد البيئة مهيئة لذلك، داؤها في الأصل..

ستقول لي: ألم يكن الرد على المنحرفين منهجا قرآنيا؟
ألم يرد في القرآن لفظ (الفاسقين، والكافرين، والمجرمين)
ألم يرد في السنة لفظ البدعة والفرق وما انا عليه واصحابي؟
ألم يرد في اقوال الصحابة والتابعين والعلماء تبديع المبتدع وتضليل الضال، وهجر المبتدعة؟

ساقول لك:
ألم يرد في القرآن الثناء على الصالحين والمومنين؟
ألم يرد في القرآن لفظ ( الصالحين المومنين المتقين …)
ألم يرد (وقولوا للناس حسنا)
ألم يرد في السنة لفظ (خالق الناس بخلق حسن) ( اتق الله حيثما كنت) (اويكب الناس في النار إلا حصائد السنتهم) ( من كان يومن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت)…
ألم يرد في اقوال الصحابة والتابعين والعلماء ما يدعوا إلى حسن الظن، والخوف من الفرقة، ونسبية الحق، كل يؤخذ من قوله ويرد، إلا صاحب هذا القبر…

فورود هذا هو الأصل..
ونسبة ورود هذا أضعاف نسبة ورود ذاك..
وورود ذلك استثناء له جوه وشروطه وضوابطه واحترازاته..
وبالتالي خذ الأصل والكثير، ودع عنك الاستثناء إلا في ظروف الاستثناء التي تكون لحظية دقيقة تقدر بقدرها كما ونوعا وكيفا..

وساقول لك:
فما الفرق بين تبديع شيخ سلفي، أوشيخ إخواني، او اشعري، او صوفي او تبليغي؟

فهل إذا بدعنا شيخا سلفيا كنا مخطئين ومتطرفين ومداخلة، وإذا بدعنا شيخا إخوانيا، او اشعريا أو صوفيا او تبليغيا، كنا محقين او معتدلين أو هذا التبديع لا يستاهل ذلك التشنيع؟
إذن فأصل الداء في قضية التبديع، والإغراق في التبديع هو تلك الأدواء السابقة التي ذكرتها، والتي يجب استئصالها، والتخلص منها، وإيجاد الترياق واللقاح المكافح لها، وكل ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية وسير الصحابة والتابعين والعلماء، والاستفادة من مناهج اخرى استطاعت التخلص من بعض ذلك او التقليل منه..
وإلا فإن مناهضة التيار المدخلي لن توتي الأكل المطلوب، مادام مصانع إنتاج مثله وأفظع منه موجودة حاضرة جاهزة للإنتاج..

ملحوظة: الفيديو المرفق للشيخ العدوي، وهو ينفي التمذهب تماما، وفي فيديو آخر يقول نعوذ بالله من مذهب الأشاعرة، وهذا غيض من فيض، والشيخ العدوي يعتبر من السلفيين المعتدلين، وليس مدخليا!!!

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل رقيب وصواريخ المقاومة تدك غلاف غزة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل رقيب احتياط في معارك شمال قطاع غزة، وفي حين تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها ومنها إطلاق صواريخ على مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، تستعد قوات الاحتلال لشن عمليات في بيت لاهيا شمالي القطاع.