اللغة العربية تعود بقوة في تركيا بعد أن طمسها العلمانيون

تعيش تركيا على وقع تحول لغوي لافت خلال السنوات الأخيرة من خلال سعي الحكومة التركية ومختلف أجهزتها إلى إحياء اللغة العربية وعودة “الجنين العربي” الذي كاد أن يُشرف على الموت داخل الثقافة التركية خلال العقود الماضية، عبر تشجيع المواطنين على تعلم هذه اللغة وتحفيزهم للتعرف على تاريخ أجدادهم، فضلاً عن توفير الآليات الرسمية لتسهيل تعلم العربية في المدارس والجامعات.

وعاشت الجمهورية التركية خلال حقبة مؤسسها “كمال أتاتورك” انقلابا لغويا كان الهدف منه طمس اللغة العربية وتكريس التغريب و العلمانية؛ وذلك عبر جملة من القرارات كان من ضمنها إقرار الحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية في الكتابة.

حدث هذا التحول اللغوي بسبب الانبهار الكبير الذي كان يشعر به العلمانيون الأتراك تجاه الثقافة الغربية وإيمانهم بالتفوق الأوروبي، فلقد كانت فئة المثقفين في تركيا تحاول التعريف بهوية تركيا بعيدًا عن كل ماله علاقة بالإسلام، ولم يكن هذا ليحدث سوى بالتخلي عن الأبجدية العربية.

وبعد أعوام من حكم مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وعدة محاولات لاقتراح هذه الفكرة ومناقشتها مع بعض الأدباء والصحفيين، قام المجلس القومي التركي الكبير بإصدار قانون إداري ينص على استخدام الأرقام الدولية في الدوائر الرسمية والحكومية، ولم يحدث هذا القرار أي رد فعل يذكر.

وبعدها قام أتاتورك بإعلام الشعب بجميع الولايات بالحروف الجديدة، حتى بدأ الناس يتعلموها ويجتازون الامتحانات اللازمة لإتقانها واستخدامها في المدارس.

إذ بدأ أتاتورك عهداً من التغريب وتكريس العلمانية؛ وذلك بمنعه المدارس الدينية وإلغائه المحاكمات الشرعية، واستبدال الحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية في الكتابة.

وتدريجيًا بدأ الحزب الشعب الجمهوري بتغييب اللغة العربية كتابتًا وقراءة، إذ منع التدريس أو نشر الصحف باللغة العربية، كما أمر بتتريك الآذان واعتبر رفعه باللغة العربية جريمة بحق القانون لمدة دامت إلى 18 عام، وذلك حتى مجيء رئيس الوزراء عدنان مندريس الذي أمر برفع الآذان باللغة العربية من جديد وفتح مراكز تعليم اللغة العربية وغيرها من المؤسسات الدينية التي تعتمد على اللغة العربية بشكل أساسي مثل كليات الإلهيات أو الشريعة ومدارس أئمة الخطيب.

وعندما تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم كشف عن تصوراته وميوله إلى الماضي العثماني والهوية الإسلامية ويمكن ملاحظة هذا من خلال الانتشار الواسع الذي تتمتع به اللغة العربية في الوقت الحالي على الأراضي التركية. ويمكن تفسير هذه العودة الكبيرة للغة العربية إلى تركيا بأسباب سياسية أولًا واقتصادية وإعلامية.

ففي خطاب لأردوغان يقول فيه “بسلبكم اللغة من مجتمع ما، تكونون قد سلبتموه حضارته وذاكرته. أقول هذا باعتبارنا أمة دفعت الثمن غاليًا لسلبنا لغتنا. فالاعتداء على لغة مجتمع ما، يعني الاعتداء على دين هذا المجتمع، وثقافته وفنونه وآدابه”، ويتساءل “هل هناك شعب في العالم لا يستطيع أبناؤه أن يقرؤوا لغة أجدادهم التي كتبت قبل مئة عام فقط؟”

وبعد سنوات من حظر لغة الضاد وحصرها في المؤسسات الدينية، أعلنت وزارة التربية والتعليم التركية إضافة اللغة العربية في المدارس العام الماضي، ووضحت الوزارة أن دروس اللغة العربية ستكون اختيارية لمن يرغب بتعلمها.

ومن جانب آخر، تقوم تركيا بتنظيم مشاريع تستقطب فيها المعلمين العرب للتدريس في جامعاتها ومدارسها، خاصة بعد هجرات النازحين العرب من العراق وسوريا وليبيا. ومن هذه الفعاليات “قرية اللغة العربية” التي انضم إليها أكثر من 62 ألف طالب. يهدف هذا المشروع إلى جذب الراغبين بتعلم اللغة العربية بإتقان قراءة واستماعا ومحادثة، دون الحاجة إلى السفر إلى الدول الناطقة بالعربية، فهي توفر للطلاب برنامجًا كاملًا من الأنشطة والدروس والحوارات التي تضمن تعلمهم اللغة العربية بالشكل المطلوب.

كما يمكن ملاحظة الوجود العربي ولغتهم بانتشار المترجمين العرب والأتراك المتحدثين باللغتين في الدوائر الحكومية أو المناطق السياحية والمؤسسات التجارية والاقتصادية، كما بدا واضحًا انتشار اللغة العربية بشكل ملفت وذلك من خلال لافتات المحال التجارية والإعلانات التسويقية الموزعة في الطرق وجميع أنحاء المدن التركية تقريبًا.

شاهد أيضاً

هكذا أدارت المقاومة الحرب النفسية مع الاحتلال في غزة

ظهرت في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهمية الحرب النفسية باعتبارها جبهة أساسية من جبهات هذه المعركة، وحاول كل طرف توظيف الدعاية للتأثير النفسي في مخاطبة جمهوره والجمهور المعادي.