القفزة إلى القمر !

د. إياد قنيبي

سألتني ابنتي يوماً: (بابا هل حاول الكفار تقليد القرآن؟)
فقلتُ لها: سؤالك جيد ! لكن أنا سأسألك أولاً قبل أن أجيبك: لو قلت لك اقفزي من هنا إلى الباب (مسافة 2 متر) هل ستحاولين؟
– قالت: (نعم).
– طيب من هنا إلى الطاولة (4 متر)؟
– (إممممممم..يمكن أحاول)..(مع ابتسامة).
– طيب من هنا إلى القمر؟
– ضحِكَتْ هي وإخوانها…(لا طبعاً)
– وهذا الذي حصل مع الكفار يابنتي..كانوا يفهمون اللغة العربية وكانوا أهلها البارعين فيها بأشعارهم ونثرهم..فمحاولة تقليد القرآن كانت بالنسبة لهم كمحاولة القفز إلى القمر. فإذا حاول أحدهم فإنه سيبدو أبله أحمق.. وهم كانوا يستحون ويأنفون أن يبدوا بلهاء !
– تصوري وأنت تشمرين عن ساقيك تتقدمين وتتأخرين تتحاولين أن تقفزي هذه القفزة! سيبدو منظرك مضحكاً.
– لذلك فلم يحفظ لنا التاريخ محاولة جادة لتقليد القرآن، بل لجأوا إلى محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وتهديده والافتراء عليه وتشويه دعوته والصد عنها. أما “القفز إلى القمر” فلم يحاولوه…بل كانوا إذا سمعوا القرآن أبلسوا (يئسوا) عن مجرد المحاولة.
– وبالمناسبة، فحتى عامة ما يروى عن مسيلمة الكذاب ليس له سند صحيح. فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية بعض ما ينسب لمسيلمة من دون إسناد (الضفدع والفيل…إلخ)، وقال بعدها: (وذكروا أشياء من هذه الخرافات التي يأنف من قولها الصبيان وهم يلعبون).
– وأما ما رواه الطبري في تاريخه من تقليدات مسيلمة فهو من طريق سيف بن عمر، وهو ضعيف.
– من أسوأ ما يُفعل بأجيال المسلمين إضعاف لغتهم العربية، بحيث تحتاج أن تشرح لأحدهم بالتفصيل لماذا القرآن معجز، وتحتاج أن تفرق لهم بين قفزة المترين والقفزة إلى القمر ! ومن غش المناهج المدرسية التي يُمضي فيها أبناؤنا زهرة حياتهم أنها لا تُكسبهم القدرة على هذا التفريق وهي تشرق بهم وتغرب في النصوص وفي القصائد “الي بتسوى والي ما بتسواش”!
– بينما بما آتانا الله من بقية معرفةٍ باللغة وتذوُّق لها تأخذنا رعدة عند قراءة كثير من آياته ونذوق حلاوة نتحسر أن أبناء المسلمين لا يذوقونها.
– لمن لديه بقية معرفة باللغة، من أنفع الكتب في بيان الإعجاز اللغوي للقرآن كتاب (النبأ العظيم) للدكتور عبد الله دراز رحمه الله، انظر مثلاً إلى بيان وجه من الإعجاز في الآية 91 من سورة البقرة.
– وصدق الله: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) ) (سورة يس).

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،