القرآن و ضبط السلوك الإنساني

إذا ألقينا النظرة في كتاب الله فسنجد الحديث الذي خصصه للإنسان من حيث هو كائن متفرد اختير لمهمة بضخامة الكون مع تشخيص دقيق وعميق لطبيعته وما يملكه من قدرات وما يصدر عنه من تصرفات في إطاري التأصيل والتفسير؛ فضلا عن تجلية البعد المزاجي فيه دون إهمال ما يطرأ له من تبدلات في الحالة النفسية أو العقلية (المزاج العام) بسبب ما هو مركوز فيه من محركات تتأثر بما يستجد في الإنسان تارة وتارة أخرى بفعل ما يحيط به من مؤثرات خارجية قاهرة، قد يقوى حينا على مجادلتها وكبح جماحها، وربما عاندته يوما وانهارت دفاعاته:

{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)} (المعارج:19-23).

{فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (الفجر:15-16).

وفي الحالتين نلحظ إرفاق القرآن العلاج بالتشخيص:

تأتي الصلاة بما تختزنه من طاقة خلاقة تجعل الإنسان يمارسها بعمق كي ينتشل نفسه بنفسه من وهدة سحيقة إلى التحليق عاليا، وفي حالة من السمو الروحي، بحيث إذا ما آب من تلك السياحة الروحية تبدلت حالته وشفت روحه وصفا مزاجه؛ عادت تلك الأجهزة التي كانت قد تعطلت إلى العمل بفاعلية واندفاع، وفي اتجاه متناغم مع بقية عناصر الكون المسبحة الممجدة لربها والدائبة في أداء وظائفها الثابتة في حسن سير الكون وتدبير أحوال الخلائق:

{ إِلَّا الْمُصَلِّينَ 22 الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ 23 وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ 25 وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ 26 وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ 27 إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ 28 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 31 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ 32 وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ 33 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ 34 أُولَـئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ 35} (المعارج:22-35).

وفي سورة الفجر وجه المولى العليم بدخائل ونواقص الكائن البشري توجيها لطيفا ومؤثرا يتضمن توبيخا حانيا عن طريق وضع الإنسان – المتعكر مزاجه والمنحرف شعوره – في قالب جماعي يشعره بأن النقص الذي يعاني من درنه ويكابد ثقله يعم من حوله، من أجل عدم تيئيسه من استدراك نقائص طارئة نتيجة الضغط الشرس الذي يمارسه عامل شديد الانغراز في نفسيته (شدة حب الخير) المتضاعف بعامل «تزيين حب الشهوات»:

{كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 18 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا 20 } (الفجر:17-20).

لماذا تعد ضوابط السلوك في القرآن الكريم أرقى نموذج في السلوك الإنساني؟ لأن القرآن هو الذي :

  • ضبط صوتنا ” و اغضض من صوتك ” ضبط مشيتنا : ” و لا تمش في الأرض مرحاً ” ضبط نظراتنا : ” و لا تمدن عينيك “
  • ضبط سمعنا : ” و لا تجسسوا “.. ضبط طعامنا : ” و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا ” – ضبط ألفاظنا : ” و قولوا للناس حسناً ” ضبط مجالسنا : ” و لا يغتب بعضكم بعضاً ” ضبط تصريحاتنا : ” و لا تقف ما ليس لك به علم ” علمنا العفو و التسامح : ” فمن عفا و أصلح فأجره على الله ” – فالقرآن كفيل أن يضبط حياتنا و يحقق حياة السعداء ( الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
    ما اعظمك ربي وما أعظم كتابك ..

شاهد أيضاً

هكذا أدارت المقاومة الحرب النفسية مع الاحتلال في غزة

ظهرت في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهمية الحرب النفسية باعتبارها جبهة أساسية من جبهات هذه المعركة، وحاول كل طرف توظيف الدعاية للتأثير النفسي في مخاطبة جمهوره والجمهور المعادي.