العقوبات التعسفية.. سلاح يشهره الاحتلال بوجه المقدسيين مع كل حراك شعبي

قد ينتهي المطاف بكثير من المقدسيين الذين يتفاعلون مع أحداث مدينتهم الساخنة في السجون، وفي حال لم يُزج بهم داخلها تطالهم سلسلة عقوبات بدءا من سحب بطاقات إقامتهم في القدس، مرورا بفصلهم من أماكن عملهم، وليس انتهاء بمنعهم من السفر

– أثناء تفاعله ودفاعه عن عائلة سالم المهددة بالطرد من منزلها في الشق الغربي من حي الشيخ جراح لصالح المستوطنين تحدى المقدسي محمد أبو الحمص عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير ونصب مكتبا رمزيا مقابل مكتبه، ومنذ ذلك الحين يدفع الثمن.

لم تكتفِ شرطة الاحتلال بضرب أبو الحمص وسحله وإزالة مكتبه 11 مرة، بل لاحقته بمصدر رزقه، فحررت له مخالفة مالية بقيمة 320 دولارا أميركيا على حافلته الصغيرة التي ينقل بها طلبة المدارس، ثم أخطرته بأن هذه المركبة غير قانونية وصادرتها فورا.

وكررت شرطة الاحتلال الإجراء العقابي ذاته مع المسنة المقدسية نفيسة خويص التي توجد في الحي يوميا، وأصدرت مخالفة تعسفية بحقها وصادرت مركبة “التوك توك” التي تتنقل بها.

وبهذه الإجراءات قد ينتهي المطاف بكثير من المقدسيين ممن تفاعلوا بشكل تلقائي مع أحداث مدينتهم الساخنة في السجون، وفي حال لم يُزج بهم داخلها فإن الكثير من العقوبات تُفرض عليهم، بدءا من سحب بطاقات إقامتهم في القدس، مرورا بفصلهم من أماكن عملهم، وليس انتهاء بمنعهم من السفر.

تطال المقدسيين عقوبات كفرض الغرامات وتفعيل ملفات ضريبية بحقهم بسبب نشاطهم الوطني في مدينتهم (الجزيرة)
فصل تعسفي
الناشط المقدسي رمزي العباسي -الذي يعمل منذ 13 عاما في العلاج الطبيعي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مدرستين تتبعان لوزارة المعارف الإسرائيلية- فصل من عمله على خلفية تفاعله مع قضية حي الشيخ جراح وتضامنه مع أهالي الحي أيضا.

ولتاريخ ملاحقة العباسي شرح يطول، لكنه يقول إن باكورة ملاحقاته بدأت صيف عام 2019 عندما اعتدى عليه جندي إسرائيلي داخل ساحات المسجد الأقصى، وتسبب في كسر ساقه اليمنى، ليُفاجأ لاحقا باتهامه بالاعتداء على جندي وإثارة الشغب.

يقول العباسي للجزيرة نت “لم يغلق الملف الذي حيك ضدي، وكنت طوال الوقت تحت مراقبة مخابرات الاحتلال حتى أصدرت قرارا بضرورة فصلي من عملي لأنني أثير الشغب، وذلك على خلفية تضامني مع قضية أهالي كرم الجاعوني في الشيخ جراح الصيف الماضي”.

حاول هذا الشاب المضي في مسار قانوني لإلغاء قرار مخابرات الاحتلال، لكن الأخيرة ثبتته في يناير/كانون الثاني الماضي، وفُصل رمزي بالفعل من عمله، ثم تلقى قبل أسبوع قرارا جديدا يقضي بمنعه من السفر أيضا.

وقال العباسي “خلال وجودي الأسبوع الماضي مقابل منزل عائلة سالم بحي الشيخ جراح استدعتني مخابرات الاحتلال للتحقيق، وطلبت مني تسليم جواز السفر بادعاء أنني كنت سأشارك بمؤتمر فلسطيني في تركيا لأتحدث عن قضية الحي، وترى في ذلك أنني أقدم معلومات عن دولة إسرائيل إلى جهات إرهابية”.

ويعلق “غبي من ينتظر من المحتل أن يسمح له بممارسة أي شكل من أشكال المقاومة السلمية”.

وأضاف أن “هذا هو الوضع الطبيعي، أن نُعاقب ونُقمع، لكنني أرد عليهم بالقول إن صوتي سيبقى عاليا، وسأستمر بفضح ممارسات الاحتلال ضدنا”.

المرابطات هدف مستمر
بدورها، تعرضت المناضلة المقدسية فاطمة خضر وما زالت لكثير من العقوبات بسبب إصرارها على التفاعل مع قضايا القدس الساخنة، ومن أقسى ما واجهته قطع مخصصات الشيخوخة عنها بادعاء أن مكان إقامتها يقع خارج القدس، وهي مضطرة لإثبات عكس ذلك على مدار العام.

وتواجه خضر عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة بشكل مستمر كغيرها من المقدسيات اللواتي أخذن على عاتقهن الوقوف في خط الدفاع الأول عن أولى القبلتين.

أما المعلمة المقدسية هنادي الحلواني ففرضت عليها كافة أشكال العقوبات بسبب إصرارها على الدفاع عن المسجد الأقصى ونشر قضيته.

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت إن مخابرات الاحتلال بدأت عام 2013 بتهديدها بالعقوبات وبدأت بفرضها بشكل بسيط في البداية، لكن في 2015 خضعت الحلواني لمجموعة من العقوبات بناء على “ملف سري” لا يمكن إطلاعها ومحاميها عليه.

وقُطع عنها التأمين الصحي، وتعرضت للإبعاد عن البلدة القديمة والمسجد الأقصى، والمنع من السفر، ومن دخول الضفة الغربية، ومن المشاركة في أي نشاط وجاهي أو إلكتروني، بالإضافة إلى اقتحام منزلها بشكل مستمر والعبث بمحتوياته ومصادرة الأجهزة الإلكترونية المختلفة منه.

كافة هذه العقوبات تعرضت لها الحلواني، فيما يسري عليها الآن قرار الإبعاد عن المسجد الأقصى ومنع السفر، وتقول ساخرة إن العقوبة الوحيدة التي هددتها بها مخابرات الاحتلال ولم تنفذها حتى الآن هي “الإبعاد إلى قطاع غزة أو تركيا”.

وبالإضافة إلى هؤلاء، خضع عشرات المقدسيين لإجراءات عقابية تعسفية كالغرامات الباهظة على التجار، وفتح ملفات ضريبية لهم بمجرد تلاسنهم أو تصديهم لاعتداءات شرطة الاحتلال أو طواقم البلدية التابعة له على محالهم التجارية، وتعجيل تنفيذ أوامر هدم منازل تندرج في إطار “الهدم العقابي” لمنازل بعض الناشطين، كهدم منزل حارس المسجد الأقصى فادي عليان العام الماضي.

ويُعتبر سحب بطاقة الإقامة في القدس من أقسى العقوبات التي يتعرض لها المقدسيون، ومن بين هؤلاء نواب المجلس التشريعي المبعدون عن المدينة ووزير شؤون القدس السابق، بادعاء “خرق الولاء” لدولة إسرائيل.

ويعقب المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة على الإجراءات العقابية بحق المقدسيين على خلفية نشاطهم السياسي، قائلا إنها تنتهك الحقوق الأساسية التي تكفلها كافة القوانين، كالحق في الحركة والتنقل، والتعبير عن الرأي، والعبادة والاعتقاد، والسكن وغيرها.

ويضيف زبارقة أنه يحق لكل مقدسي التفاعل والتضامن مع القضايا الساخنة في المدينة، وإقدامه على ذلك لا ينطوي على أي مخالفة أو إخلال بالنظام العام كما تدعي شرطة الاحتلال.

ويقول المحامي “المبرر الذي يستخدم لملاحقة المقدسيين دائما هو ادعاء وجود “معلومات سرية” تدينهم، وليس إجراءات قانونية تستند إلى مخالفات واضحة، وهنا تكمن الخطورة، خاصة أن الشرطة باتت الأداة التي يستعملها الاحتلال في قمع حريات المقدسيين”.

المصدر : الجزيرة
حول

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".