الطريق إلى الطمأنينة بين هلع “الكورونا” و اليقين بالله

أماني مرزوق

مدونة مصرية

“بدأت تشعر بضيق في التنفس، شعور يتزايد بفقدان السيطرة على النفس، طلبت المساعدة وحين طلبت الذهاب إلى الطوارئ كان الجزء الأسفل من جسدها بدأ يثقل بالفعل، ها هي الآن على الكرسي المتنقل بالطوارئ وقد توقف كل الجسد عن الحركة. هناك عينان زائغتان في كل الأنحاء تبحث عن الغوث، وأنفاس تصرخ دون صدى لطلب المساعدة. دقائق قليلة وخفتت الأعراض إلى أن زالت، ثم خرجت من المشفى والتشخيص هو “نوبة هلع”.

المشاعر لا تنخدع، ولا يُرضي كبرياءها أن التجاهل والإنكار، سينمو ويتكاثر في خِلسةٍ وخفاء حتى تفاجئك بانفجار مدوٍ يوماً ما، ذاك الانفجار القادر بلا مبالغة أن يحرق أخضرك واليابس، أصبحت تغضب بسرعة، انفعالكِ بات مبالغ فيه، صعوبة في التركيز واضطرابات في النوم حدث ولا حرج، وغيرها الكثير من الأعراض التي قلما ينجو منها أحد، وما كل هذا إلا رسائل إنذار خافته تشير إلى ضرورة التوقف؛ فالفهم، ثم الأخذ بأسباب من شأنها ألا تجعل الوضع يزداد تدهوراً.

“فخرج منها خائفاً يترقب”
الخوف شعور فطري يصيب البشر بما فيهم الأنبياء عليهم السلام، ويتفاوت في درجاته بين نوبات الخوف البسيطة العابرة “فأوجس في نفسه خيفة موسى” ، إلى تلك النوبة الشرسة التي قد تفقدك وعيك “و خر موسى صعقاً” والتي يقول عنها أحد المختصين في مجال علم النفس وفق اطلاعه على موقع 6 ثوانٍ: “إن هناك مشاعر سلبية إذا تعدت بضع ثوانٍ، فقد يعني هذا بداية الدخول في اضطرابات نفسية”. وبين نوبات الخوف العابرة وحالات الهلع المفزعة نمر بحالات من القلق والتوتر ومزيج من مشاعر صعبة تتنازع النيل من طمأنينتنا وأماننا النفسي، غير أنه بالرغم من كل هذا فإن مشاعر الخوف قد تكون دافعك الوحيد للنجاة، فالخوف كغيره من المشاعر الصعبة جاء برسالة عليك أن تحسن قراءتها، رسالة الخوف هي: (خذ بأسباب السلامة، وتعاون مع غيرك، ثم اطرق سبل الطمأنينة).

“قلنا لا تخف”
إذن فالله أودع فينا مشاعر الخوف التي توجهنا للحذر والبعد عن المخاطر، ثم نهانا عن تجاوز القدر والكيف المسموح في هذه المشاعر، والتي قد تجرنا إلى أحوال من العزلة والاعتزال والوساوس التي لا قبل لنا بها قال تعالى: “إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين”؛ فالخوف إن كان ولا بد- فخوف معصية الله ومخالفة أمره، وفي سياق الانتهاء من الخوف دعونا نتلمس بعضاً من سبل الطمأنينة ابتداءً بمعرفة الطرق الشائعة في التعامل مع المشاعر الصعبة، وانتهاءً باستراتيجيات فعالة لتقليم مشاعر الخوف العارمة، والتقليل من آثارها الجانبية.

المشاعر الصعبة تشبه كثيراً مكاناً معتماً شديد الظلمة، قادرًا على أن يبتلع جميع ملامحك الجميلة، ولعل الشيء الوحيد القادرعلى مواجهة كل هذا الظلام أن تضيء سراجاً وإن بدأ بضوء خافتا
الكبت هو الحل!
يلجأ الكثير من الناس إلى نظرية “إناء الضغط” أو “حلة البريستو”، فيكبت المشاعر ويضغطها دون أن يسمح لها بالخروج بسلاسة أو حتى التنفيس عنها، متجاهلاً تلك الكوارث التي قد تنتج عن هذا الكبت من أمراض نفسية وعضوية خطيرة، وهناك آخرون يميلون إلى نظرية ” النعامة” أو دفن الرؤوس في الرمال انكر… انكر..انكر، “إنت مش خايف إنت جدع “، “لأ إنت جامدة وقوية “، “مالك؟.. مفيش.” “خليك جامد وإياك أن يظهرعليك “، وهناك طريقة “الهروب الكبير” والتي يفضل فيها المرء إدخال نفسه في متاهة من الاشغالات والانشغالات حتى لا يجد الوقت ليشعر أساسًا، ويتحول إلى آله روبوتية. وأختم بالنظرية الأسوأ على الإطلاق وهي: ” التفاخر بصاحب أسوأ شعور “، وفيها يزايد المرء على المشاعر الصعبة ويتفاخر بها، ساعياً للمزيد من لفت الأنظار وجذب الاهتمام.

في أنفسكم – فليغرسها – من الخارج للداخل
قبل أن يثير العنوان التساؤلات، دعوني أخبركم أن هذا العنوان هو مقدمة لثلاث استراتيجيات للتعامل مع المشاعر الصعبة بصورة عامة:

*الإستراتيجية الأولى”: وفي أنفسكم أفلا تبصرون”

تصرفاتنا اليومية وانفعالاتنا غير المرغوبة، ما هي إلا كقمة جبل الثلج والتي لايزيد حجمها عن 20% من حجم الجبل الحقيقي، بينما 80 % من هذا الجبل مدفون بالأعماق، مشاعر مختلطة غير مرتبة، ومواقف غير محسومة، وغيرها من “كلاكيع”، طبعاً سنحتاج ورقة وقلمًا، ولابد من استخدام طريقة (الأسئلة القوية)، تسأل نفسك: “لماذا فعلت هذا التصرف؟” فتصل إلى سبب أول سطحي ظاهر، فتتساءل مرة أخرى “لماذا؟” وهكذا حتى تصل لجذر الموضوع وتعالجه. هذا الجذر قد يكون احتياجًا لابد أن يلبى فوراً، أو موقف معلق يستلزم سرعة الحسم.

**الاستراتيجية الثانية: “فليغرسها”

المشاعر الصعبة تشبه كثيراً مكاناً معتماً شديد الظلمة، قادرًا على أن يبتلع جميع ملامحك الجميلة، ولعل الشيء الوحيد القادرعلى مواجهة كل هذا الظلام أن تضيء سراجاً وإن بدأ بضوء خافتا، فلقد جاء في الحديث الشريف: “إن قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها”، أي أن النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- يرشدنا أن وسط أهوال القيامة التي يشيب لها الولدان، علينا أن ننشغل ببصمة نضعها وأثر نتركه.

**الاستراتيجية الثالثة: “من الداخل للخارج”

(التغيير يبدأ من الداخل): عبارة صحيحة بنسبة كبيرة، غير أنه قد يبدأ من الخارج أيضاً، فيجدر بك بدلأ من أن تفكر في كيفية التقليل من هرمونات القلق والحزن بنصف المخ الأيسر، أن تسعى لزيادة هرمونات السعادة بفص المخ الأيمن؛ فقانون الاتزان لهما يستلزم إن زاد أحدهما أن يقل الآخر، ومهاراتك باكتشاف الأشياء التي تستمتع بها ومن شأنها زيادة هرمونات السعادة قد يكون أفضل طرقك في القضاء على كل شعور صعب يحاول ابتلاعك.

الوصفات السريعة
1-لا تتابع الأخبار المحبطة والسيئة.

2- امشِ يومياً ولو 10 دقائق، وإن كان في بيتك.

3-اشرب مشروبك المفضل بزي أنيق معطر وبخلفية صوتية لأصوات تساعد على الاسترخاء.

4-تواصل مع دائرة أحبابك تواصلاً حقيقياً وعميقا ودافئاً؛ فربما يكون ذلك يومًا ما ملاذك الآمن.

5-أطل السجود وناجِ ربك بكل ما في قلبك وادعوه بإسمه “المؤمن” أن يجعلك من الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.

6-تدبر آية واحدة من كلام الله، وأروِ ظمأ روحك، واعلم أنه حين الكوارث العظام لن يسكنك إلا ذكر الله.

وفي الختام، عش يومك كأن لا أباً له ولا ولد، لا تفسد حاضرك بخوف من بلاء مرتقب قد لا يأتي، ولا تضيع يومك حزناً على أمر قد فات ومضى، فحاضرك كنزك وهو أثمن ما تملك.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،