السيسي بدل الشعراوي.. أدعية الرئيس في زمن الوباء

قديما، أطلق إعلام السلطة في مصر على الرئيس الراحل محمد أنور السادات لقب الرئيس المؤمن، وبث لقطات من آن لآخر للرئيس يصلي الجمعة أو يحضر مناسبة دينية، لكن اللقب تحوّل من المديح الذي قصده الإعلام الرسمي ليصبح مدخلا للانتقاد والسخرية على ألسنة الناس وهو ما استمر حتى بعد أن ودع الرجل الدنيا برصاص أحد الجنود خلال عرض عسكري مهيب.

وبعد نحو أربعين عاما، يدور الزمن دورته ويعود إعلام السلطة لمحاولة ربط الرئيس بالدين في بلد اعتاد على وصف شعبه بأنه “متديّن بالفطرة”.

فبعد رفع الأذان، وعلى إيقاع موسيقي لآلة العود، تبث قنوات التلفزيون المصري دعاء بصوت الرئيس عبد الفتاح السيسي يبتهل فيه لحماية مصر من فيروس كورونا، وفي الخلفية لقطات للعاصمة الإدارية الجديدة التي يتبناها السيسي وعدد من المعالم السياحية للبلاد.

هكذا في زمن الوباء، تغير ما اعتاده المصريون لأكثر من عقدين، بأن تذاع الأدعية بصوت الشيخ محمد متولي الشعراوي عقب كل أذان.

وبات الدعاء بصوت السيسي فقرة ثابتة تعرضها القنوات الرسمية والخاصة عقب رفع الأذان وخلال الفاصل على مدار اليوم، مع الإشارة إليه في بعض الوسائل الإعلامية باعتباره دعاء الرئيس في مواجهة أزمة فيروس كورونا المستجد.

وبدأت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام في إذاعة دعاء السيسي بعد لقاء جمع الرئيس مع سيدات مصر في احتفالية المرأة المصرية، في 22 من مارس/أذار الماضي، واختتمه يومها بالدعاء.

أدعية ارتجالية
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها السيسي للدعاء، غير أنها تميزت بأنه كان يدعو بطريقة تبدو مرتبة مسبقا وغير مرتجلة.

فخلال الاحتفال بليلة القدر، في يوليو/تموز 2014، دعا الرئيس بالهداية والنصر بطريقة بدت مختلفة عما اعتاد عليه المصريون في إلقاء الأدعية.

قال السيسي “يارب أعنا ووفقنا، يمكن ميكونش ليا خاطر عندك، لكني أستحلفك بخاطر كل من له خاطر عندك، أن توفقنا وتنصرنا وتهدينا وترحمنا وتكرمنا وتنصرنا.. رب قلب طيب ونفس سمحة ربنا يستجيب لدعائه في تلك الليلة المباركة”.

غير أن الارتجال في الدعاء وصل إلى نقطة أبعد من تلك عندما استخدم السيسي لغة في الدعاء تشبه المعتاد بين عناصر الجيش واستخدام أوصاف مثل حضرتك وسيادتك وما إلى ذلك، حيث قال خلال تخريج دفعة جديدة من طلبة الكلية الحربية، في نفس الشهر، “يارب ظروفنا صعبة.. يارب حضرتك تساعدنا”.

ووقتها أثار ذلك انتقادات وسخرية واسعة، في حين دافع مؤيدو السيسي عنه كعادتهم واعتبروا أن مخاطبة الله بالطريقة العامية المعتادة “حضرتك” هي نوع من التوقير التلقائي.

وعقب إذاعة الدعاء بصوت السيسي، عبر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سخريتهم مما وصفوه بالتدين المفاجئ للرئيس واعتبره آخرون دليل إيمان ومشاركة في المحنة.

ومقابل إغراق القنوات التلفزيونية بدعاء السيسي، تداول معارضون للنظام، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دعاء الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي ألقاه خلال الاحتفالية بليلة القدر، في أغسطس/آب 2012، حيث دعا فيه لمصر بالخير والنهضة والنصر.

خطاب استعطاف
وعن السبب الذي دفع السيسي للجوء إلى الدعاء خلال أزمة كورونا، رأى مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام أن الأحداث التي شهدتها مصر خلال نهايات العام الماضي أجبرت الرئيس على تغيير لغة خطابه.
وأوضح، للجزيرة نت، أن السيسي تبنى منذ اعتلاء سدة الحكم خطابا وصفه بـ “صهيوصليبي” معاد للفكر الإسلامي “فلم تخل مفرداته السياسية مرة من وصم المسلمين بالإرهاب تارة وبالتخلف الحضاري تارة أخرى”.

لكن بعدما حدث نهاية ٢٠١٩ من صراع داخل أجنحة النظام عقب مظاهرات 20 سبتمبر/أيلول، ضعفت قدرة السيسي على الإمساك بزمام الأمور -حسب رؤية خضري- لافتا إلى أنه لم يعد صانع القرار بمفرده كما السابق، وأحدث تغييرا في خطابه السياسي بالبدء في خطب ود المزاج الشعبي الذي يميل للعاطفة الدينية.

وحول تأثير تكرار بث الدعاء على المصريين، أوضح الباحث أن هناك تأثيرا خطيرا لتكرار الرسالة السمعية أو المرئية، معتبرا أن تكرار الدعاء سيصنع إغواء للعقل الباطن عند المستمعين، حيث يسعى القائمون على هذا العمل -باحتراف- إلى صناعة ارتباط شرطي داخل عقل المتلقي بين الدعاء والسيسي لتحسين صورة الأخير لدى جمهور تلك القنوات.

واستطرد “جاءت فترة الحظر لتساعد على زيادة تأثير هذه الحملة وتوسيع جمهورها المستهدف، حيث يمكث معظم المجتمع داخل البيوت مما يزيد من تعرضهم لتلك الرسالة”.

وتطرق خضري للسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الدعاء، قائلا إنها تمثل حائط الصد ضد أهداف القائمين على الخطاب الإعلامي للجنرال.

وأردف قائلا “كلما زادت وتيرتها وتنوعت وكانت أكثر ابتكارا، كانت أكثر قدرة على صناعة أهداف عكسية، لكن هناك شرطا أساسيا لنجاحها في تحقيق أهدافها وهو أن تستهدف نفس الجمهور الذي تستهدفه حملة دعاء السيسي”.

استعراض ديني
في المقابل رأي الكاتب الصحفي وائل قنديل أن السيسي استخدم الخطاب الديني منذ اليوم الأول لصعوده مسرح السلطة.

وأوضح في مقال بعنوان “دعاء الكروان على كورونا” أن الرئيس لديه ما سماه هوس التغول على السلطة الدينية، وتابع “خلال مشهد إعلان الانقلاب رسميًا عام 2003 كان بجانبه شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة”.

وأضاف أن الجنرال لا يترك مناسبة دينية، إسلامية أو مسيحية، إلا ويُقدِم فيها على “استعراضاتٍ فجّة يقول فيها للجماهير إنه أبو الأزهر والكنيسة”.

وتابع قنديل “السيسي قرّر أن يكون الداعية والداعي، يؤم المسلمين بصوته في الدعاء على فيروس كورونا، بصوته العجيب وتلعثمه المثير للأسى مع كل حرف ينطقه، برغم التدريبات المكثفة وبروفات الأداء”.

ولا يستبعد الكاتب الصحفي -ساخرا- أن تدور تروس النفاق لتصل إلى أن نقرأ نقدا حول قماشة صوت عبد الفتاح السيسي التي تتفوق على خامة الصوت عند الشيخ سيد النقشبندي أو نصر الدين طوبار أو حتى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.

واختتم مقاله قائلا “في أزمنة الاستبداد، لم نعرف طاغية قرّر أن يكون هو المطرب والمرشد والمفتي والمذيع والشيخ والقسيس والحاخام في وقت واحد”.

وعلى خلاف ذلك علقت الدكتورة أمنة نصير عضو البرلمان وأستاذ العقيدة الإسلامية، على دعاء السيسي، قائلة “لابد أن نعلم أن هذا الدعاء مستجاب فى هذه الأيام الكريمة التي فرضت فيها أعظم شعيرة للمسلمين وهى الصلاة وهى الصلة التي بين العبد وربه، في ليلة الإسراء والمعراج”.

وناشدت د. آمنة نصير -في تصريح صحفي- كل المسلمين أن يدعو الله للبشرية كافة ولمصر خاصة.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".