الديموقراطية روح التنمية

هذا المقال جاء بعد نقاش مع أحد الإخوة الفضلاء الذي اعتبره أستاذي في هذا المجال..

فقلت:

لن أنطلق في هذا المقال من إثبات مشروعية الديموقراطية وأدلة ذلك من الناحية الشرعية، لأنه نقاش متجاوز والوقوف عند المتجاوزات لون من ألوان التخلف..

فالديموقراطية اجتهاد إنساني مطلق ظهرت أولى بوادره في السياسة النبوية والراشدة ثم كبا جواده قرونا من الزمن عدا طفرات هنا وهناك، حتى عاد تأصيله وتفعيله في القرون المتأخرة،ولو عاد للإسلام اوجه ومجده لعمل بالديموقراطية ولأقر اغلب بنودها، مع إصلاح لبعضها ورفض للآخر وتطوير وتجديد لبنود أخرى..

أما التنمية فهي من النمو والسعي إلى النمو وذلك بحفظ المكتسب والزيادة عليه بما يوافق الوسائل والإمكانات وبما يحقق المقاصد والغايات..

وهذه التنمية يشمل الجانب العقلي والفكري والجانب الجسدي والمادي والجانب الروحي والإيماني والجانب الاجتماعي..

فتنمية الجانب العقلي تكون بحفظ العقل وإعماله وتطويره والاهتمام به وبمغذياته ومقوياته من تعليم ومناهج تعليمية والثقافية وإعلام وأسرة.. وصرفه عن كل مدمرات العقل من تغييبه او تغريره او تجهيله أو تجميده أو قلب مفاهيمه أو قمعه أو كبته ..

وتنمية الجانب الجسدي والمادي تكون بحفظ النفوس وتغذيتها وتقويتها وتأمينها وإصلاحها وتنعيمها وإغنائها وذلك من خلال الاهتمام بالجانب الغذائي والاقتصادي والمالي، ومكافحة كل صور التفقير والتجويع والتهشيش والأمراض والإمراض والاوبئة والسموم والتسميم..

وتنمية الجانب الروحي تكون بحفظ الدين والقيم وترسيخهما وتعظيمهما وتجديدهما وتطويرهما والاهتمام بهما من خلال وسائل التعليم والإعلام وصناعة القدوات وتفعيل دور المسجد وكل المبادرات الصادقة الفاعلة في هذا الشأن، وفي المقابل مكافحة كل تشويه للدين أو تشويش عليه أو تدمير للقيم والأخلاق مهما كانت المبررات والمسوغات..

وتنمية الجانب الاجتماعي، تكون بتفعيل تلك الدينيات والعقليات والجسديات والقيم وإخراجها في قالب سلوكات وتصرفات وأقوال وأفعال وتروك، فهو مصب كل تلك التنميات، وذلك من خلال وسائل التعليم والإعلام وتنظيمات وجمعيات المجتمع المدني وفسح المجال للتعاون والتنافس في هذا المجال، وإحياء روح الجسدية الواحدة للمجتمع وترسيخ معاني العدل والطهارة..

هذه هي معالم واسس التنمية الحقيقية الناجحة والناجعة والكاملة والشاملة، وكل مجال من هذه المجالات هو بحاجة ملحة وضرورة صارخة إلى هذه التنمية، ولا يشبعه ولا يسكته ولا يغنيه إلا تنمينه، فالعقل لا تغنيه تنمية الروح، والروح لا تغنيها تنمية الجسد، والمجتمع لا تغنيه تنمية العقل..وهكذا..

إذن فلا بد من أمرين:
الاهتمام بتنمية كل تلك المجالات اهتماما صادقا متخصصا وفق خطط ومحاسبات..
والتوازن والتوزين بين تلك المجالات حسب الظروف والأهمية دون تبخيس أو حذف أو تزويق أو كذب على الذقون وإفراط أو تفريط..

السبيل الوحيد لتحقيق هذه التنمية الكاملة الشاملة، هو الديموقراطية وتفعيلها وتقوية مؤسساتها وأشخاصها وتخصصاتها، واحترام مقتضياتها، وعدم تجاوزها، لأن بها تؤسس التنمية الحقيقية وتستمر وتدوم وتتطور وتتجدد وتتوازن وتسري في جميع المجالات والطبقات وتحقق الأمن والاستقرار والفاعلية والتدافع ومساهمة الجميع في الإصلاح والتطوير المتوازن..
وإلا كانت التنمية عرجاء بتراء فاشلة زائلة، سرعان ما يغيب دخانها وتتبدد غيومها وتفرقع فقاعاتها على واقع متخلف مرير منذر بسيل جارف..

فالديموقراطية روح التنمية، ومن لا ديموقراطية له لا تنمية له..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.