الحياد اسم جميل لمعنى قبيح

رضوان الأخرس

لا تتركوا فكرة الحياد تتسرب إلى عقولكم وعقول أبنائكم على أنها شيء جميل، فهي الظلم والسلبية وتجميل للخذلان القبيح، إنما الأجدر بنا فرادى ومجموعات أن نتحلى بقيم العدل والإنصاف، أما الحياد فلا يصلح ولا يُصلِح، وتكون فيه شرعنة للظلم وقبول بالظالمين.

الحياد هو الخذلان بعينه، لكن بات له اسم منمق يواكب تغيرات العصر الذي يسمي الأشياء بغير مسمياتها
الحياد في السياسة هو الوقوف في المنتصف بين أطراف المعركة أو بمعنى آخر بين الحق والباطل وبين الجلاد والضحية، وهو مرفوض في السياسة والاجتماع وكافة مناحي الحياة، فالله لم يأمر بالحياد بل بالقسط والعدل، وأن يكون الناس شهداء بالحق ولو على أنفسهم أو أهليهم، وأن يقولوا الحق ولو عاد عليهم بالضرر، بل كانت جملة النصوص التي شكلت الحضارة الإسلامية تدعو للتضحية والكفاح من أجل تخليص المستضعفين من النساء والرجال على غير القشرة الحضارية الغربية التي تهيمن على عصرنا والتي تعتبر الحياد أسمى قيمها وأرفع سماتها.

الحياد يجعلنا نقف بالمنتصف بين الظالم والمظلوم وبين المجرم والضحية، وفي ذلك جناية واضحة واشتراك في الجريمة لا يغتفر كالذي يرى نفسه محايدا حين التعامل مع قضايا الأمة كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، فأي حياد هذا بين احتلال وشعب مظلوم، إنه اختلال وهو الخذلان بعينه لكن بات له اسم منمق يواكب تغيرات العصر الذي بات يسمي الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية، فالشذوذ أصبح مثلية، والفسوق أصبح حرية.

الحياد يورث في سياسات الكيانات وضمير الأفراد الخمول والسلبية، إلا أنه بالإضافة إلى ذلك استخدم أداة من أدوات الأمم المتحدة لشرعنة الباطل في الكثير من القضايا، فهي لم تتدخل في جل الأحداث -خصوصا في المنطقتين العربية والإسلامية- إلا بعد أن يهيمن القوي على الضعيف لتقف بالمنتصف بينهما وتدعوهما للتعايش مع بعضهما البعض من دون حل جذور المشكلة أو إعادة الحق لأصحابه، وهي بالمعنى الأدق تدعو صاحب الحق إلى التنازل والتفريط بحقه لصالح مغتصبه.

الحياد ذنب يستحق العقوبة لا خصلة يحتفى بها، بل هو من علامات النفاق
ثقافة الحياد من سوء النتاجات الفكرية والسياسية لعصرنا، وهي سبب من أسباب استمرار مآسي عشرات الملايين من البشر المستضعفين، وتكون في بعض الأحيان أقسى من الظلم على نفوس الناس حين تأتي من صديق، وهي تشبه كثيرا شهادة الزور في محكمة، فهل من العدل أن يتساوى موقفك تجاه طرفي القضية وأحدهما جانٍ والآخر مجني عليه؟ وما الحياة إلا مسرح كبير سنته التدافع بين الناس، ومن هنا يتكون فهم أعمق لقول الله تعالى “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”، فالحياد وعدم الأخذ على يد الظالمين وتركهم يستمرون في غيهم وبغيهم سيزيد خراب الأرض وفسادها.

إن أقواما عبر التاريخ وصالحين هلكوا، وكان ذنبهم الحياد، ومنهم القصة المشهورة للرجل الصالح العابد الذي أخذ موقف الحياد من المنكرات التي شاعت في قريته ولم ينكرها فأمر الله أحد ملائكته بأن يبدأ به، وكان ذنبه أنه لم يتمعر وجهه أو ينهى عن المنكر، وإن الله قد لعن أقواما لأنهم “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه”، وبذلك يكون الحياد ذنبا يستحق العقوبة لا خصلة يحتفى بها بل هو من علامات النفاق للذين يكونون “لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء” فإياك أن تكون محايدا.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".