الجاميّة المدخليّة وعداوة سيّد قطب

بقلم : محمد خير موسى

لا ينكر عاقلٌ أنَّ ما تركه الشهيد سيّد قطب من نتاج فكريّ وشرعي سواءً اتّفقتَ معه أو اختلفت ‏يمثّلُ ثروة عظيمة في الفكر الإسلامي.

كما لا ينكرُ منصفٌ أنَّ إرث الشّهيد سيّد قطب ترك جدالًا واسعًا في الوسط الفكري الإسلامي بين القبول والرّفض وهو جدالٌ حيويّ ما دام في إطار النّقد العلمي والتّمحيص المعرفي الموضوعي.

غيرَ أنَّ الأمر عند الجاميّة المدخليّة تجاه سيّد قطب مختلف تمامًا، فيمكننا، من دون مبالغة، أن نصف سيّد قطب بأنّه “عدوّ الجاميّة الأوّل”

وهذه العداوة جعلت الموقف من سيّد قطب عند المداخلة يشكّل حالةً من الاستنفار الحاقد؛ فيكفيكَ أن تأتي على ذكر اسم سيّد قطب أو الاستشهاد بعبارة أو موقف له حتّى تنطلق جحافلُ الشّتم والسباب والتّكفير والتّخوين وكلّ ما لا يخطر ببالك من عبارات تصفُ الشّهيد سيّد قطب كما لو كان أحد عتاة المجرمين!

نقضٌ لا نقد

انبرى المدخليّة لمهمّة نقض أفكار سيّد قطب لا نقدها، لذلك جانبوا المنهج العلمي والإنصاف المعرفي؛ فألّفوا العديد من الكتب.

منها الكتاب الذي ألّفه الشّيخ محمّد بن عبدالله الدّويش تحت عنوان “المورد الزّلال في التّنبيه على أخطاء تفسير الظّلال” وقد قال في مقّدمته:

“أمّا بعد؛ فقد كثر السّؤال عن كتاب ظلال القرآن لمؤلّفه سيّد قطب، ولم أكن قد قرأته، فعزمت على قراءته؛ فقرأته من أوّله إلى آخره، فوجدتُ فيه أخطاء في مواضيع خصوصًا ما يتعلّق بعقيدة أهل السّنّة والجماعة، وعلم السّلوك، فأحببت التنبيه على ذلك لئلّا يغترّ به من لا يعرفه”.

ومن هذه المؤلفات كتاب “مطاعن سيّد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم” للشّيخ ربيع بن هادي المدخلي، ويقول في كتابه مبينًا دوافعه لتأليف الكتاب:

“إصرارٌ المشرفين على تراثه، وعلى رأسهم محمّد قطب، على طبع كتبه والإلحاح على ذلك، بحيث يطبع كلّ كتاب من كتبه المرّات العديدة، فهذا “الظلال” الذي جمع فأوعى من ألوان البدع الشّيء الكثير، وقد طبع سبع عشرة مرة، وهذا كتاب “معالم في الطريق” قد طبع خمس عشرة مرّة، وهذا كتاب “العدالة الاجتماعيّة” قد طبع اثنتي عشرة طبعة، وهناك طبعات أخرى غير شرعيّة لهذا الكتاب

وهكذا سائر كتبه مع ما حوته من باطل وبدع عظيمة حظيت بما لم تحظَ به مؤلّفات أئمّة الإسلام الكبار كالإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن حبان والدّارقطني وابن تيمية وابن القيّم والذّهبي وابن عبد الوهاب وغيرهم من أئمة الإسلام، وما ذلك إلّا نتيجة التّدليس على الأمّة، والدّعايات الضّخمة لترويج هذه الكتب وأمثالها وترويج ما فيها من عقائد وأفكار”

وفي كلام ربيع المدخلي عن دافعه لتأليف بيانٌ جليّ أنَّ القضيّة عنده ليست في الرّدّ على ما أسماها مطاعن سيّد قطب بالصّحابة الكرام رضوان الله تعالى عنهم، بل المراد نقض كلّ ما كتبه سيّد قطب، ولم يستطع المدخلي كتم غضبه وحنقه بسبب انتشار كتب وأفكار الأستاذ الشّهيد.

وقد أسهب ربيع بن هادي المدخلي في التأليف عن سيّد قطب في محاولات نقضه؛ فمن مؤلّفاته أيضًا كتاب “أضواء إسلاميّة على عقيدة سيّد قطب وفكره” وكتاب “نظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم” وكتاب “نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب” وكتاب “العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم” وكتاب “الحدّ الفاصل بين الحقّ والباطل” وكتاب “ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي للأمة معرفته ثمّ ردمه”

ورطة الشّيخ ربيع المدخلي في أمانته العلميّة
عندما الّف ربيع المدخلي كتابه ” أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره”؛ أرسله إلى الشّيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى عضو هيئة كبار العلماء والمدرّس في المسجد النبويّ طمعًا في أن يكتب مقدّمةً وتقريظًا للكتاب.

فكانت المفاجأة في ردّ الشّيخ بكر أبو زيد الذي جاء على شكل رسالةٍ طويلةٍ جاء فيها:

” نظرت في أول صفحة من فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب رحمه الله، أصول الكفر والإلحاد والزندقة، القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يشرع، غلوّه في تعظيم صفات الله تعالى، لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات.. إلى أخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.

وأسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبّهوا على هذه الموبقات!

وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشّمس، وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنتَ في بعض ما كتبت!

عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذّبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوين استفزازيّة تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيد رحمه الله، وإني أكره لي ولكم ولكل مسلم مواطن الإثم والجناح، وإنّ من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته.

.

ويتابع قائلًا: ” نظرتُ فوجدت هذا الكتاب يـفـتـقـد:

أصـول البحث العلمي، الحيـدة العلمية، منهـج النّقد، أمانـة النقل والعلم، عـدم هضم الحق.

أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس”.

وقع هذا الرّدّ على ربيع المدخلي كالصّاعقة ومع ذلك ألقاه وراء ظهره وطبع الكتاب، ثمّ سلّط قلمه وأقلام أتباعه في الردّ على الشّيخ بكر أبو زيد والوقيعة فيه ونعته بأبشع الأوصاف، وهو الذي كان يستجديه قبل أيّامٍ ليزيّن صدر كتابه بمقدّمةٍ منه.

لماذا سيّد قطب؟

من الطبيعيّ أن يتساءل المرء عن السبب وراء هذا الحنق الكبير والحقد غير ‏المعقول على سيّد قطب، ولماذا هو دون غيره من علماء الحركات الإسلاميّة ‏ومفكّريها؟!‏

وأعتقدُ أنَّ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في سببين اثنين هما:‏

أولًا: أنَّ سيّد قطب هو من أكثر المفكّرين المؤثّرين في العصر الحاضر الذين ناهضوا ‏الطّواغيت وجابهوهم وعرَّوا سوءاتهم وكشفوا حقائقهم وبيّنوا الموقف الواجب منهم.‏

وهذا لا يمكن أن يروق للمداخلة الذين يعملون بناء على ما تقتضيه مصلحة ‌‏”وليّ الأمر” فهم من يؤصّل للطّاغوتية ويشرّع وجوب الخضوع لها.‏

ثانيًا: رعب المدخليّة من تأثير سيّد قطب الفكري داخل المدرسة السّلفيّة، ‏وانتشار أفكاره في الوسط السّلفي بخلاف غيره من مفكّري ومنظّري جماعة ‏الإخوان المسلمين.‏

وقد عبّر ربيع بن هادي المدخلي عن هذا المعنى في مقدّمة كتابه “العواصم مما في ‏كتب سيّد قطب من القواصم” حيث يقول:‏

‏”فإن قلت: لماذا كلّ هذا مع سيّد قطب؟ فأجيبك:… وبعد أن يسوق نماذج من ‏ردود العلماء السابقين لا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية على مخالفيهم يقول ـ ‏فهل يجوز السّكوت عن فكر الإخوان المسلمين وقد حوى جلّ أو كلّ ما ذكره ‏شيخ الإسلام فيما نقلناه عنه آنفا؟ ‏

وهل يجوز السّكوت عنه وقد استخدم أخطر أساليب الغزو الفكري، وأخطر ‏خططه لغزو مؤسسات المنهج السلفي ومعاقله الشّامخة؟

وإنَّ أخطرَ وأفتكَ أسلحة هذا الغزو هي كتب سيّد قطب، ونسج الهالات ‏الضّخمة حول شخصيّته وفكره ومنهجه وكتبه”‏.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.