التعصب الأعمى !

بقلم : أدهم الشرقاوي

روى ابن كثير في البداية والنهاية قال :
كان يُقال لمن في جيش مُسيلمة الكذاب : هل تُصدق مسيلمة ؟
فيقول : واللهِ أننا لنعلم أن مسيلمة كذاب، ولكن كاذب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضَرٍ !

في الحقيقة هذا أجملُ مثالٍ قرأتهُ عن التعصب الأعمى، يسيرون في جيش كذاب يعلمون أنه كذاب لأنه من قبيلتهم، ليحاربوا جيش نبي يعلمون أنه نبي لأنه ليس من قبيلتهم !

ومن الملاحظ من حياتنا اليومية، أن التعصب الأعمى ما زال متفشياً بين الناس، كلكم تعرفون ماذا يحدث عندما يقع طلاق بين زوجين، عائلة الزوج كلها تدافع عنه، وتخبرك أنه مظلوم وأنها تستحق ! وعائلة الزوجة كلها تدافع عنها وتخبرك أنها مظلومة والحمد لله الذي أنجاها منه ! طبعاً كلكم تعرفون أنه من النادر أن يقع طلاق بين زوجين يكون أحدهما هو المسؤول الوحيد عنه، تقول الحياة والتجارب والوقائع والشواهد أن كليهما يتحملان المسؤولية وإن كانت بنسبٍ متفاوتة، ولكن عندما يقع الفأس في الرأس ويحدث الطلاق لا أحد على استعداد أن يذكر ما يتحمله قريبه من مسؤولية مهما كانت ضئيلة، دوماً نجد أن الآخرين هم الجُناة، وأقرباءنا هم المجني عليهم ! اشتهيتُ أن أسمع أحداً يلقي باللوم على قريبه أو قريبته في حالات كهذه، وأسأل الله أن لا يقبضني إليه قبل أن أرى عادلاً يقول : كان ابننا لا يستحقها ! أو كانت ابنتنا لا تستحقه !

الأهل الذين يأتون فارعين دارعين إلى المدارس ليفزعوا لأولادهم، يشعرونك أن ابنهم هو أحمد بن حنبل في حلقة الإمام الشافعي، لا أنه الجني الصغير الذي شق الأرض وخرج منها كما تقول جدتي ! إنهم لا يطيقونه في البيت، ويعرفون أنه شقي مزعج، ويلاقون منه أضعاف ما يلاقي الأساتذة والمعلمات منه، ولكن بمجرد أن تحصل مشكلة يأتون إلى المدرسة ويشعروننا أن ابنهم هو يوسف عليه السلام وأننا إخوته الذين ألقيناه في الجُبِّ !

وسعوا الدائرة قليلاً، تحصل الخلافات بين الدول كما تحصل بين الناس، هذا هو حال الدنيا قبلنا، ومعنا، وستبقى هكذا بعدنا، وما من دولة إلا لها وعليها، في السياسة اليوم لم تعد الخلافات من نوع خلاف النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش، حق محض في وجه باطل محض ! السياسة اليوم أكثر غموضاً وتعقيداً، تحكمها مصالح واعتبارات وحيثيات ورؤى لا علاقة لها بالحق والباطل، ومن المؤسف أنه متى وقعت هذه الخلافات يعتقد كل شعب أنه في معسكر المسلمين، والشعب الآخر في معسكر قريش، تُنشر الأعراض في مواقع التواصل، تُقطع الأرحام، وتُشترى الفتاوى والذمم، على مبدأ معاهم معاهم عليهم عليهم، ومع الخيل يا شقرا ! مع أن الأصل في الخلافات التي تقع بين المسلمين إن كان عندك كلمة حلوة قُلْها، وإن لم تجد فلا تصب الزيت على النار، النار بدون زيتك مشتعلة !

جاء هذا الدين ليبدد أفهام الجاهلية، وتعصبها القبلي والعائلي الأعمى، أبو لهب في النار ولو كان عمّ النبي، وبلال في الجنة ولو كان في الجاهلية عبداً يُباع ويُشترى، ومن أجمل ما قيل في نبذ التعصب قول نبينا عليه الصلاة والسلام كما في البخاري من حديث أنس :
“انصُرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً!
فقال له رجل : يا رسول الله أنصره إن كان مظلوما، فكيف أنصره إن كان ظالماً؟
قال: تأخذ على يده، وتمنعه من الظلم، فذلك نصره!”

شاهد أيضاً

غزة تنزف….

غزة اليوم هي عضو الأمة الأشدّ نزيفا من بين كثير من الأعضاء التي لا تزال تنزف من جسد المسلمين، ومخايل الخطر تلوح في الأفق على المسجد الأقصى، الذي يخطط المجرمون لهدمه، أو تغيير هويته وتدنيسه، ولا يمنعهم من ذلك إلا الخوف من بقايا الوعي والإيمان في هذه الأمة أن تُسبب لهم ما ليس في الحسبان.