الاعتكاف العلمي في المسجد الأقصى.. مبادرة لإنعاش الدور العلمي التاريخي لأولى القبلتين

بمصلى الأربعين داخل المصلى القبلي تحلّق شباب لتلقي أولى محاضرات الاعتكاف لهذا العام، والتي تندرج جميعها تحت محور “إحياء جوهر الإسلام في المجتمعات المعاصرة”

أسيل الجندي
من كافة محافظات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وأحياء القدس زحفوا فرادى وجماعات نحو المسجد الأقصى المبارك للاعتكاف في جنباته، ومنهم من اعتاد ويحرص على الالتحاق بحلقات العلم التي ينظمها القائمون على مبادرة “الاعتكاف العلمي في المسجد الأقصى” خلال العشر الأواخر من رمضان.

ينتظمون في صفوف المصلين لأداء صلاة التراويح وتصدح حناجرهم بـ”آمين” خلال دعاء القنوت في صلاة الوتر بشكل جماعي، ومع انقضائها يتوجهون إلى حيث اعتادوا للقاء مؤسس المبادرة المقدسي عبد السلام أبو خلف الذي يحمل شهادة الدكتوراه بتخصص العقيدة والفلسفة الإسلامية.

تشهد المصطبة المقابلة للمصلى المرواني على مجالس العلم هذه التي انتقلت هذا العام نظرا لبرودة الطقس إلى مصلى الأربعين داخل المصلى القبلي، وهناك تحلق الشبان حول أبو خلف لتلقي أولى محاضرات الاعتكاف لهذا العام، والتي تندرج جميعها تحت محور “إحياء جوهر الإسلام في المجتمعات المعاصرة”.

عن نظام الحكم في الإسلام بين الثبات والتطور وعن الشورى كنموذج انطلقت المحاضرة الأولى بعد مجلس للصلاة على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وأبو خلف -الذي أسس أيضا مبادرة تكوين للعلوم الإسلامية العقلية والمهتم بقضايا التغيير والنهضة- أسهب في حديثه للجزيرة نت عن الأسباب التي دفعته لإطلاق مبادرة الاعتكاف العلمي في المسجد الأقصى.

وقال إن كل من يحضر ليالي الاعتكاف في الدول الإسلامية العالمية يجد أن دور العلماء والدعاة حاضر في مساجدها الكبيرة بقوة، وبالمقابل نجد هذا الحضور ضعيفا في المسجد الأقصى نظرا لظروف الاحتلال والقيود التي يفرضها على وصول العلماء للمسجد.

6-فلسطين، القدس، المسجد الأقصى، مؤسس مباردة الاعتكاف العلمي في المسجد الأقصى عبد السلام أبو خلف خلال إحدى محاضرات الاعتكاف في رمضان الماضي(الجزيرة نت).jpg
مؤسس مبادرة الاعتكاف العلمي في المسجد الأقصى عبد السلام أبو خلف خلال إحدى محاضرات الاعتكاف (الجزيرة)
تدين صادق ووعي متدنٍ
ورغم التضييقات لم تخلُ مصليات وساحات المسجد خلال ليالي الاعتكاف -وفقا لأبو خلف- من ممارسة بعض شعائر الاعتكاف كحلقات قراءة القرآن والذكر وقيام الليل، لكن ما غاب عن هذه الشعائر هما الجانبان العلمي والفكري.

“ارتأينا ضرورة تغطية هذين الجانبين بالإضافة للجانب التزكوي، وما أكد الحاجة لانطلاق هذه المبادرة هو ملاحظتي وجود تدين صادق لدى الشبان المعتكفين بالمسجد الأقصى، لكن مستوى وعيهم بالمسائل الشرعية والفكرية متدن نسبيا، ومن هنا انطلقنا ببرنامج واضح ومنتظم في شهر رمضان من عام 2018” أضاف مؤسس المبادرة.

وحول أبرز التحديات التي تواجه الاعتكاف العلمي في أولى القبلتين، أكد أبو خلف أنها تتعلق بالاحتلال وممارساته، سواء تلك المتعلقة بإعاقة وصول العلماء والدعاء لإلقاء المحاضرات في المسجد، أو الأحداث المتوترة داخله والتي لا تتناسب مع الدروس العلمية.

وأضاف أن “المجالس الفكرية تحتاج للهدوء، ولا يمكن عقدها خلال اندلاع المواجهات في الأقصى.. بعد صلاة فجر الجمعة الثانية من شهر رمضان كان يجب أن ألقي محاضرة عن الفتوة الإسلامية، لكن الوضع كان محتقنا، وهناك تربص للاقتحام، والشبان في حالة استنفار فاعتذرت فورا عن إلقائها”.

أبرز التحديات
وعن تخوفه من سير المحاضرات كما هو مخطط لها هذا العام في ظل اشتعال الأحداث في المسجد الأقصى منذ أسبوع، أوضح أبو خلف أنه تم اتخاذ قرار بعقد كافة محاضرات الاعتكاف في وقتها ومكانها المحددين بالمسجد الأقصى، وإلى عقدها عبر تطبيق “زوم” في حال تعذر تمريرها داخل المسجد بسبب الأحداث.

ويستذكر هذا الشاب المقدسي محطات النشاط الإسلامي في المسجد الأقصى على مر التاريخ، قائلا إنه كان مركزا وملتقى مهما للعلماء المسلمين وأصحاب الشأن الذين زاروه، ونُظمت لهم برامج لإلقاء المحاضرات وخطب الجمعة وشرح الكتب والرسائل في رحابه، كما أنيطت بهم مهمة إرشاد الخلق إلى طريق الحق.

وختم عبد السلام أبو خلف حديثه للجزيرة بأنه يطمح إلى أن يعيد للمسجد الأقصى دوره وقيمته العلمية، وأن يقوم برسالته الإسلامية دون جهد كبير وتكلف بالإعداد.
خصوصا لفئة الشباب
ومن بين المين للمبادرة منذ انطلاقها أستاذ التربية الإسلامية هشام بصبوص الذي قال إن ما يميز محاضراتها هو أنها تعقد على يد ثلة مميزة من المتخصصين في جميع العلوم الإسلامية.

وأضاف بصبوص أن هؤلاء العلماء يسلطون الضوء على قضايا مهمة في ظل انتشار الأفكار والممارسات الغريبة عن ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وفي ظل حالة الغربة عن الدين لدى فئة الشباب التي كان لا بد من بث العلم في نفوسهم، ومن هنا تكمن أهمية هذه المبادرة.

الشاب “ع. ق” صمم على الاعتكاف في المسجد الأقصى قادما من مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية) عبر ثغرات الجدار العازل، وقال إنه تعرف على مبادرة الاعتكاف العلمي في المسجد من خلال صفحتها على فيسبوك التي وجهه إليها أساتذته الجامعيون في تخصص الشريعة الإسلامية.

وعن هذه المبادرة قال إنه يشعر بالاطمئنان عندما يلتحق بمحاضراتها لأنه يتلقاها على يد علماء متخصصين، مضيفا أن بعض الدروس حُفرت تفاصيلها في ذاكرته عميقا، كتلك المتعلقة بعلاقة العلم بالأخلاق والأسس المشتركة بينهما، وأخرى عن الأخطاء الفقهية في عقود المرابحة والبنوك الإسلامية وغيرهما.

ولا يحرص ملقو المحاضرات على تمرير المعلومات فحسب، بل يتلقون الأسئلة والاستفسارات من الحضور داخل المصلى وأولئك الذين يتابعون المجالس عبر خاصية البث المباشر على صفحة المبادرة على فيسبوك.

وبعد نحو ساعتين ينفض المجلس العلمي ويتفرق الجمع للالتحاق بصفوف المصلين لأداء صلاة التهجد في رحاب الأقصى، على أن يتجدد اللقاء العلمي في الليلة التالية حتى نهاية الشهر الفضيل.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".