الاحتلال الإسرائيلي… الغائب الوحيد عن مؤتمر البحرين

قبيل عقد المؤتمر الاقتصادي الإقليمي في البحرين نشر «حلم جديد للشعب الفلسطيني». القسم الاقتصادي من «صفقة القرن» التي تروج لها إدارة ترامب كخطة لحل النزاع. يظهر فيها اعتراف حاجة الفلسطينيين، خاصة من يعيشون في قطاع غزة، إلى بنى تحتية مرضية وحديثة، وأيضاً أهمية ربط متواصل ومريح بين القطاع والضفة الغربية. ويوجد فيها تسليم باستمرار وجود الفلسطينيين في المنطقة التي بين إسرائيل ومصر والأردن. لأن الوثيقة خالية من أي جانب سياسي، ليس فيها ماض أو حاضر أو مستقبل سياسي أو أمني. لذلك، ليس فيها أي ذكر لأم كل المصائب ـ الاحتلال.
الخطة تعد بـ «تقليل الحواجز التي تقف أمام حركة الأشخاص والبضائع الفلسطينية. ولكن سبب هذه الصعوبات ـ قيود الحركة التي تضعها إسرائيل على المعابر الذي تسيطر عليها بشكل مطلق ـ تغيب عن النص. الحل المعروض هو تحسين البنى التحتية للشوارع ومد سكة حديد إلى جانب إنشاء معابر حدودية متطورة تكنولوجيا، وكأن ما يقف بين منتج البسكويت في غزة وأسواق الضفة الغربية أو إسرائيل هو طبيعة الشوارع التي تربط بين معبر ايرز وحاجز ترقوميا، وليس إسرائيل هي التي تمنع ذلك.
في الخطة أيضاً يشار إلى إقامة محطات للطاقة ومحطات تحلية ومحطات لتكرير المياه العادمة «في المناطق الحدودية بين الضفة الغربية وغزة ومصر وإسرائيل والأردن». إقامة هذه البنى التحتية، تعد الخطة، «ستسهل على التعاون والاندماج والتنسيق بين حكومات الدول في المنطقة». أي دولة ستكون في حينه في الضفة وغزة، وأين ستمر الحدود التي يدور الحديث عنها؟ بشكل عام، إسرائيل التي تم ذكرها على طول آلاف الكلمات، ست مرات فقط (الفلسطينيون أكثر من 300 مرة)، يتم التعامل معها كجارة متسامحة لمشروع إعادة تأهيل الحي الفلسطيني، التي ليس لها أي مسؤولية عن الوضع، وأصلاً ليست ملزمة بإصلاحه.
في المقابل، الفلسطينيون مطلوب منهم النظر إلى نافذة العرض المليئة بالوعود والتصرف بشكل صحيح. النص لا يعترف بمؤسساتهم بخصوص تحديد الأهداف والتخطيط أو التنفيذ. ولأن الحديث يدور عن وهم رأسمالي، هناك افتراض أنه في ظل وجود ظروف اقتصادية مريحة، فإن قوة السوق ستحل كل مشكلة. وقد كتب في الخطة: «الخطة ستضمن أن يكون لجميع الفلسطينيين القدرة على الوصول إلى الأدوات الضرورية من أجل التنافس ضمن الاقتصاد العالمي، هكذا يستطيعون استغلال بشكل كامل الفرص التي يقدمها هذا الحلم». في هذه الأثناء، في هناك مئات المشاريع الصغيرة قطاع غزة التي لا تريد مساعدة مالية وربما حتى لا تطمح للانضمام إلى الاقتصاد العالمي. في هذه الأثناء سيكتفون بإمكانية نقل البضائع إلى محلات في الضفة الغربية وربما مرافقتها في لقاء تجاري أو من أجل إكمال الدراسة المهنية.
ولكن المعايير التي تخترعها إسرائيل من أجل تقييد حركة الفلسطينيين لا تسمح لهم حتى بتقديم طلب للسفر، وبدون موافقة إسرائيل لا توجد حركة بين الضفة والقطاع.
المبدأ نفس يوجد على طول الوثيقة كلها: الطلاب ليسوا بحاجة إلى منح بالضرورة من أجل الدراسة خارج القطاع، بل المصادقة على سفرهم. البنى التحتية للهواتف المحمولة في الضفة وغزة متخلفة عن الصيغ المتطورة في العالم، ليس بسبب نقص المعلومات أو القدرات، بل بسبب أن إسرائيل تسيطر حتى على هذا المجال وتمنع ذلك.
الأمريكيون الذين كتبوا الوثيقة استعانوا باستشارة عدد كبير من الخبراء. لو كان بالإمكان تشكيل الواقع في المختبر وإخفاء مئة سنة من النزاع الدموي، لكان بالإمكان أن يجرى عليه نقاش يقظ يتناول الأخلاق والمسؤولية، والتذكير بأنه لا يوجد لأحد الحق في أن يعطي أو يأخذ، أو حتى اشتراط حقوق الإنسان. مكون أساسي موجود في الوثيقة وغير موجود في الواقع كان يمكنه الآن أن يفعل الكثير من أجل تسريع الاقتصاد في غزة وتعزيز السكان فيها: النوايا الحسنة.
بدون وساطة دولية وبدون استثمارات ضخمة، إسرائيل يمكنها ببساطة أن تقرر رفع القيود عن خروج البضائع من إنتاج القطاع، ويمكنها السماح لسكان غزة بالعمل في إسرائيل مثلما تسمح كل يوم لعشرات الآلاف من سكان الضفة. لو أنها سمحت للطلاب من غزة بالدراسة في الضفة، وأبناء عائلة من الأجزاء المختلفة للأراضي الفلسطينية بالالتقاء، لو أنها سمحت لقطع الغيار الضرورية وصيانة وتحسين البنى التحتية بالدخول إلى القطاع لتمكن السكان الفلسطينيون من النهوض بالاقتصاد والقضاء على الركود الذي ساهمت إسرائيل بشكل كبير في إيجاده.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.