الإسلام دين الوسطية واليسر والسماحة

الإسلام منهج وسط ودين اليسر والسماحة في كل شيء: في التصور والاعتقاد، والتعبُّد والتنسُّك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع. وصفات الوسطية واليُسر والسماحة تمثل الخصائص العامة للإسلام، والمعالم الأساسية التي مَيَّز الله تعالى بها أمته عن غيرها (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ) (البقرة/ 143).
أمة الإسلام هي أمة العدل والاعتدال، التي تشهد في الدنيا والآخرة على كل انحراف يميناً أو شمالاً عن الخط الوسط المستقيم. والنصوص الإسلامية تدعو إلى الاعتدال وتحذر من التطرُّف الذي يُعبَّر عنه في لسان الشرع بألفاظ عدّة، منها “الغلو” و”التشديد

إنّ النبي (ص) قاوم كل اتجاه ينزع إلى الغلو في التديُّن، وأنكر على مَن بالغ من أصحابه في التعبُّد والتقشُّف، مُبالغَة تُخرجه على حد الاعتدال الذي جاء به الإسلام، ووازن بين الروحية والمادية ووفّق بين الدين والدنيا، وبين حظ النفس من الحياة وحق الرب في العبادة التي خُلق لها الإنسان.
بهذا يتبيَّن أن الوسطية ميزة تميَّز بها هذا الدين، وتميَّزت بها شرائعه، فالدين وأهله بَرَاء من الانحراف، سواء الجانح على الغلو، أم الجانح إلى التقصير. وصور هذه الوسطية ومظاهرها في الدين كثيرة، إذ هي شاملة جميع جوانب الحياة.

– الإسلام دين يسر:
إن يسر الإسلام وتيسيره سِمَة من سماته، فالحَرَج ليس من مقاصد الشرع، واليُسر من مقاصده، يقرر هذا من القرآن والسنّة. قال الله تعالى في سياق الامتنان على هذه الأمة: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِّين مِنْ حَرَجٍ) (الحج/ 78). وقال سبحانه في سياق بيان فريضة الصيام: (يُريدُ الله بكُمُ اليُسْرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسْر) (البقرة/ 185). ويقول سبحانه في سياق فريضة أخرى وهي الوضوء: (مَا يُريدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلكن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَةُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/ 6).
وعلى وفق اليسر والتيسير جرت السنة العملية للرسول (ص)، فما خُيِّر النبي (ص) بين أمرين، إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، وكان داعياً إلى الرفق.

الإسلام دين السّماحة:

إن الإسلام كما هو دين اليسر فهو دين السماحة واللين، ومن أبلَغ مظاهر سماحة الإسلام، ما تبرز في نطاق الدعوة ونشر الدين، وفي معاملة العُصاة والمخالفين، ويتضح ذلك في أمور كثيرة منها:

– اللين في الدعوة:

إن أساس الدعوة هول القول الليّن حتى لو كان المدعو من أعتَى الخلق، وهذا يتبين من قول الله تعالى لموسى وهارون (عليها السلام) لَمَّا أرسلهما إلى فرعون: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى) (طه/ 44). يقول ابن كثير بعد عرض أقوال المفسرين: والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلَغ وأنجَع.
يقول تعالى مُرشداً لنبيه (ص): (إنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بَمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدين) (النحل/ 125). ويتجلّى هذا المنهج السليم في الدعوة إلى الله بالحكمة أولاً والموعظة الحسنة ثانياً. والجدال بالتي هي أحسن ثالثاً. وما وصف الموعظة والجدل بالإحسان إلا من باب تأكيد معنى السماحة في الدعوة وعدم اتخاذ العنف وسيلة لها.

– السماحة في التعامل مع العُصاة:

لقد كان في سُنّة النبي (ص) تقرير لسماحة الإسلام، حيث بيَّن (ص) أنّ الوقوع في الذنب من طبع البشر.
كما بيَّنت سُنَّتة (ص) أنّ المعاصي درجات، وإنما يُعامَل كل عاصٍ بحسب جُرمه. إذ لو عُومِل الجميع بالضرب والهجر، لكان سبباً في نفورهم من الدّين، وانفضاض الجُموع عن سيد المرسلين (ص)، وعن دُعاة الإسلام من بعده، ولكن رحمة الله سابقة. قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّن الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّا غَليظَ القلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159). فالشأن مع العاصي المخطئ هو دعوته إلى التوبة وتصحيح المسار وبيان وجه الخطأ الذي وقع فيه.

فهذا كله شاهد على أن التسامح في الإسلام أصل أصيل وسِمَة بارزة، وما دخول الناس فيه أفواجاً إلّا من نتاج هذه السماحة.

شاهد أيضاً

أم على قلوب أقفالها؟

القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أفضل وأعظم ما تعبد به وبذلت فيه الأوقات والأعمار، إنه كتاب هداية وسعادة وحياة وشفاء وبركة ونور وبرهان وفرقان،