فَانْظُر كَيفَ بَادر الصَّحَابَة – رَضِي الله عَنْهُم- حينما تمثلت أمامهم الْقدْوَة وَكَيف أحجموا قبل ذَلِك. مِمَّا يُؤَكد أهمية الْقدْوَة وضرورتها.
يَقُول الْـمَنَاوِيّ فِي شَرحه لأحاديث الْجَامِع الصَّغِير – مُبينًا أثر تخلف الْقدْوَة-: «فَحق الْوَاعِظ أَن يتعظ بِمَا يعظ ويُبصر ثمَّ يبَصّر ويهتدي ثمَّ يهدي وَلَا يكون دفترا يُفِيد وَلَا يَسْتَفِيد ومِسَنًّا يشحذ وَلَا يقطع؛ بل يكون كَالشَّمْسِ الَّتِي تفِيد الْقَمَر الضَّوْء وَلها أفضل مِمَّا تفيده وكالنار الَّتِي تَحْمِي الْحَدِيد وَلها من الحمي أَكثر وَيجب أَن لَا يجرح مقاله بِفِعْلِهِ وَلَا يكذب لِسَانه بِحَالهِ فَيكون مِمَّن وَصفه الله تَعَالَى بقوله ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [سُورَة البقرة/204].
فالواعظ مَا لم يكن مَعَ مقاله فعال لم ينْتَفع بِهِ إِذْ عمله مدرك بالبصر وَعلمه مدرك بالبصيرة وَأكْثر النَّاس أهل أبصار لَا بصائر فَيجب كَون عنايته بِإِظْهَار مَا يُدْرِكهُ جَمَاعَتهمْ أَكثر ومنزلة الْوَاعِظ من الموعوظ كالمداوي من الطَّبِيب إِذا قَالَ للنَّاس لَا تَأْكُلُوا كَذَا؛ فَإِنَّهُ سمّ ثمَّ رَأَوْهُ يَأْكُلهُ عدّ سخرية وهزءا، كَذَا الْوَاعِظ إِذا أَمر بِمَا لم يعمله وَقيل: من وعظ بقوله ضَاعَ كَلَامه، وَمن وعظ بِفِعْلِهِ نفذت سهامه. وَقيل: عمل رجل فِي ألف رجل أبلغ من قَول ألف رجل فِي رجل.